في السياسة. بكاء الرؤساء ، قد يبدو للبعض ، مجرد لحظة ضعف انساني عابره،وقد يراه البعض لحظات تمثيلية متكررة ،بينما هو في الحقيقة، ربما يكون تعبيراً عن شعور دفين بالفشل، أو الإحساس بالعجز، أمام عقبات ومسئوليات جسيمة، حفرت لحظات بكاء القادة، مكانها في الذاكرة الجماعية ،كرمز للحزن والاعتراف بالخطأ ، أو الإحساس بالنكسة.
واحدة من أبرز تلك اللحظات كانت دموع الرئيس المصري جمال عبد الناصر أثناء إعلانه التنحي في أعقاب نكسة يونيو 1967، حيث عبّرت كلماته ودموعه عن إحساس عميق بالمسئولية تجاه ما أصاب الأمة من نكسة. فلم تكن دموع ناصر ، مجرد تعبير عن الحزن، بل كانت تعكس صدمة شخصية، وزلزالًا داخليًا ، زعزع صورة القائد الذي طالما ارتبط اسمه بالانتصار.
على جانب آخر، نجد الإرهابي الصهيوني الليكودي مناحيم بيجن، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، دخل في نوبة اكتئاب عميق ، بعد حرب لبنان عام 1982. لإحساسه بفشل القرار العسكري، وتبعاته الكارثية، على إسرائيل مما جعله ينسحب تمامًا من الحياة السياسية. تشير هذه الحالة إلى أن القادة الذين يواجهون إخفاقات كبرى لا يعانون من عطب، يحول دون قدرتهم على التصدي للقرارات السياسية، بل أيضًا على مستوى الاضطراب النفسي، حيث يُطاردهم شعور دائم بالعجز أمام مطالب شعوبهم.
علم النفس الاجتماعي والسياسي، يفسر هذه الظاهرة، بأنها نتيجة الضغط الهائل الذي يعيشه القادة، فهم يتحملون أعباء تتجاوز طاقاتهم أو إمكانياتهم البشرية. الدكتور أحمد عكاشة في كتابه ” قرأه في عقول المصريين” (صفحة 148)، يوضح أن السلطة المطلقة تؤدي إلى عزلة نفسية مطلقة، مما يجعل القادة أكثر عرضة للانهيار النفسي ، عندما يشعرون بالعجز أو الفشل. هذه العزلة تقطعهم عن الدعم العاطفي ، الذي يحتاجونه، مما يضاعف من تأثير الإخفاقات عليهم.
الرئيس الأمريكي الأسبق ليندن جونسون مثال آخر على هذا الصراع النفسي. خلال فترة رئاسته، واجه جونسون انتقادات شديدة بسبب حرب فيتنام ما دفعه إلى التقاعد المبكر ، وهو في حالة اكتئاب شديد. في أحد تصريحاته النادرة، قال: **”لم تكن الحرب هي ما هزمني، بل الإحساس بأني خذلت شعبي.” هذا الشعور بالفشل ، هو ما يدفع الرؤساء- أحيانًا- إلى لحظات من البكاء أو رغبة دفينه في الانسحاب.
لكن هل بكاء الرؤساء ، مجرد تعبير عن الفشل؟ أم أنه أيضًا وسيلة لجذب و استعادة التعاطف؟ فبعض القادة يدركون أن لحظة البكاء، قد تكون فرصة لإظهار إنسانيتهم ، واستعادة قربهم من شعوبهم، خاصة في أوقات الأزمات. فالرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ذرف الدموع، خلال خطابه عن ضحايا إطلاق النار في المدارس، و أوضح في تصريح لاحق أن “البكاء هو شهادة على تحملنا لآلام شعوبنا، وليس علامة على الضعف.”
يبقى البكاء في النهاية “ربما” يكون لحظة صدق -استثنائية- تكسر الجمود الإنساني ، وتفتح “نافذة” على إنسانية، لم تدخل ـبعدـمن الباب . لكن الأمر يعتمد على السياق؛ فبينما تُعد دموع القائد في ثقافات معينة تعبيرًا عن عمق المسئولية، تُفسَّر في ثقافات أخرى كإشارة إلى فقدان الهيبة.
و يمكننا القول- أيضا ـإن دموع القادة، قد تكون مجرد لحظة عاطفية عابرة، وقد تكون أيضا تعبيراً عن عقده الذنب أو انعكاسا لصراعات داخلية ترتبط بالسلطة ودوائرها. إنها لحظات نادرة تسلط الضوء علي سؤال هام وهو:- هل يمكن أن نرى في تلك الدموع بوابة أمل نحو قيادة أكثر إنسانية؟ أم أنها ستبقى لحظة عابره، وإنسانية باهته ،منفصلة عن أي أثر حقيقي ، علي أرض الواقع؟