يشهد قطاع الإسكان في مصر أزمة حادة تؤثر على ملايين الشباب الذين يحلمون بالحصول على وحدة سكنية ملائمة. هذه الأزمة تزداد تعقيدًا مع الوقت بسبب السياسات الحكومية التي تعكس انعدام التوجه نحو دعم الفئات الأكثر احتياجًا.
فبدلاً من أن تقوم الحكومة بدورها الاجتماعي في دعم محدودي ومتوسطي الدخل، تحولت إلى مقاول لا هم له سوى التربح، متجاهلة الأحلام والطموحات التي يعلقها الشباب على هذه المشاريع السكنية.
في إعلان الإسكان الجديد الذي تم طرحه مؤخرًا، تُقدم الحكومة 70 ألف وحدة سكنية في عدد من المحافظات والمدن الجديدة. يبدأ حجز الوحدات لذوي الاحتياجات الخاصة في 18 نوفمبر، ثم لبقية المواطنين في 26 من الشهر ذاته.
ومع أن هذه الوحدات تبدو بمثابة فرصة للحصول على سكن ملائم، إلا أن أسعارها المرتفعة تفاجئ كل من يطمح في الحصول على شقة. تتراوح أسعار هذه الوحدات بين 415 ألف جنيه وتصل إلى 700 ألف جنيه في بعض المحافظات، بينما يتم بيع عدد محدود من الوحدات الجاهزة للتسليم الفوري بمبلغ 184 ألف جنيه.
لكن هذه الأسعار تكشف عن حقيقة مريرة: الحكومة التي من المفترض أن تعمل لصالح الفئات محدودة الدخل تحولت إلى بائع يفرض أسعارًا مبالغ فيها على الشباب.
والأكثر من ذلك، أن هناك العديد من الشروط التي تحرم آلاف الشباب من فرصة الحصول على هذه الوحدات. فمثلاً، الشباب الذين يتجاوز دخلهم 12 ألف جنيه لا يمكنهم الحصول على وحدات الإسكان الاجتماعي، في حين يضطرون إلى مواجهة أسعار باهظة في وحدات الإسكان المتوسط التي تصل إلى أكثر من 1.5 مليون جنيه.
في مشروعات مثل “سكن مصر” و”دار مصر” و”جنة”، نجد أن الحكومة قررت طرح هذه الوحدات دون تطبيق مبادرة التمويل العقاري، وهو ما يجعل الشباب مضطرين لدفع أقساط شهرية لا يقدرون عليها.
يصل القسط الشهري لبعض هذه الوحدات إلى 29 ألف جنيه في حالة التقسيط على سبع سنوات، أو 68 ألف جنيه في حالة التقسيط على أربع سنوات. هذه الأرقام تجعل حلم السكن مستحيلاً على الكثير من الشباب، خاصة أن دخولهم لا تكفي لتغطية مثل هذه التكاليف الباهظة.
ولم تتوقف المشكلات عند هذا الحد، بل أن العديد من الشباب الذين حصلوا على وحدات سكنية يعانون من مشكلات أخرى تتعلق بجودة التشطيب وتأخر التسليم.
على سبيل المثال، ما زال العديد من المستفيدين من الإعلان الرابع عشر لمشروع الإسكان الاجتماعي ينتظرون استلام وحداتهم، رغم مرور سنوات على تقديمهم. وهناك العديد من الشكاوى من الشباب حول سوء التشطيبات التي تفرض عليهم تكاليف إضافية لإصلاح الشقق.
ومن هنا يتضح أن الحكومة المصرية تتاجر بأحلام الشباب، بدلاً من توفير السكن الملائم لهم. فبدلاً من أن تعمل على تخفيف العبء عن كاهل الشباب وتقديم حلول سكنية بأسعار معقولة، نجدها تضاعف معاناتهم عبر شروط معقدة وأسعار تتجاوز إمكانياتهم.
ويؤكد العديد من الشباب أن هذه الأزمة تجعل الحصول على سكن مناسب أمرًا شبه مستحيل. فالإيجارات المرتفعة التي تجاوزت 5 آلاف جنيه في العاصمة تجعل من الصعب تأجير شقة، بينما أسعار شراء الوحدات في السوق الخاص أصبحت خيالية. هذا يدفع الشباب إلى اللجوء إلى السماسرة غير الشرعيين الذين يستغلون الأوضاع ويبيعون الوحدات مقابل مبالغ إضافية تحت مسمى “الأوفر برايس”.
وفي ظل هذه الأوضاع، يشعر الشباب باليأس من إمكانية تحسين أوضاعهم المعيشية. فحتى أولئك الذين يحققون دخلًا يفوق 12 ألف جنيه شهريًا لا يجدون سكنًا مناسبًا بأسعار يستطيعون تحملها. ويعاني الكثيرون من مشاكل كبيرة في تغطية نفقات حياتهم اليومية مع تزايد أسعار المواصلات والسلع الأساسية.
الخبير العقاري الذي تمت استشارته حول تكلفة الوحدات السكنية، أكد أن تكلفة المتر المربع في الوحدات السكنية نصف التشطيب تصل إلى 4500 جنيه. ولكن على الرغم من ذلك، يتم بيع هذه الوحدات بأسعار تتجاوز بكثير تكلفتها الفعلية، مما يوضح أن الحكومة لا تقدم دعماً حقيقياً للمواطنين، بل تعمل على تحقيق مكاسب مالية على حسابهم.
ويرى خبراء العقار أن الحكومة المصرية، بدلاً من أن تكون جهة توفر السكن للفئات المتوسطة والمحدودة الدخل، أصبحت جهة تتربح من بيع الأراضي والوحدات السكنية. وعلى الرغم من أن أسعار الوحدات الحكومية أقل قليلاً من أسعار القطاع الخاص، إلا أنها لا تزال خارج متناول غالبية الشباب الذين لا يملكون المقدرة على دفع المقدمات أو الأقساط المرتفعة.
ويشير العديد من الخبراء إلى أن هناك مشكلة حقيقية تتعلق بتخصيص هذه الوحدات. فالكثير من الوحدات التي تم تسليمها ضمن مشروعات الإسكان الاجتماعي لا تزال خالية، مما يدل على أن المستفيدين منها ليسوا بحاجة حقيقية إلى السكن. بدلاً من ذلك، يتم استخدام هذه الوحدات كاستثمار، حيث يقوم البعض بشرائها ومن ثم بيعها لتحقيق أرباح من فرق السعر.
ومن هنا يظهر أن المشكلة ليست في نقص الوحدات السكنية، بل في سوء إدارة توزيعها وطرحها بأسعار لا تناسب الفئات التي تحتاج إليها. وعلى الرغم من أن الحكومة تدعي أنها تقدم دعماً لمحدودي الدخل من خلال مشروعات الإسكان الاجتماعي، إلا أن الشروط المعقدة والأسعار المرتفعة تضع العديد من الشباب في مأزق حقيقي.
وبالنظر إلى إعلان الإسكان الأخير، الذي يتضمن طرح 770 ألف وحدة سكنية في عدة محافظات ومدن جديدة ضمن مبادرة “سكن لكل المصريين”، نجد أن الأسعار المعلنة لهذه الوحدات لا تزال مرتفعة بالنسبة للفئات المستهدفة. فعلى سبيل المثال، تتراوح أسعار الوحدات الجاهزة للتسليم الفوري في المحافظات بين 184 ألف جنيه و400 ألف جنيه، بينما تصل أسعار الوحدات في المدن الجديدة إلى 700 ألف جنيه.
ورغم أن هذه الأسعار قد تبدو أقل مقارنة بأسعار السوق العقاري الخاصة، إلا أنها لا تزال غير متاحة لغالبية الشباب الذين يعانون من تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم. هذا ما يجعل الحلم بالحصول على شقة مناسبة أمرًا مستحيلًا في ظل الظروف الحالية.
وفي ظل هذه الأوضاع، نجد أن الحكومة المصرية تفشل في تحقيق التوازن بين الأسعار المتزايدة والدخل المحدود للمواطنين. ومع ارتفاع تكلفة المعيشة وتدهور القدرة الشرائية، أصبح من الواضح أن هناك فجوة كبيرة بين ما يتم طرحه وما يمكن للشباب تحمله. هذه الفجوة تعكس غياب التخطيط الحكومي الفعال لتوفير سكن ملائم بأسعار مناسبة للفئات الأكثر احتياجًا.
حيث يعاني قطاع الإسكان في مصر من أزمة عميقة تتفاقم يومًا بعد يوم بسبب السياسات الحكومية التي لا تستجيب لحاجات المواطنين. بدلاً من دعم الشباب، نجد الحكومة تضعهم في مواجهة عقبات مالية هائلة تجعل من حلم السكن مجرد وهم. وفي الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار وتتزايد فيه الأزمات الاقتصادية، يبقى الشباب المصري ضحية لسوء الإدارة وغياب التخطيط، ويظل السكن حلمًا بعيد المنال.