ارتفاع جرائم الاعتداء على الأطفال في إيطاليا يهدد مستقبل الأجيال القادمة بشدة
تسجل إيطاليا زيادة ملحوظة في الجرائم المتعلقة بالاعتداء على الأطفال خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024 وفقاً للتقرير السنوي الصادر عن جهاز الشرطة الإيطالي الذي سلط الضوء على تزايد الانتهاكات بمختلف أشكالها من عنف جسدي واعتداءات جنسية في مختلف أنحاء البلاد.
التقرير أظهر ارتفاعاً بنسبة 10% في الجرائم المرتكبة ضد الأطفال مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي مما يعكس تفشي الظاهرة بشكل غير مسبوق. وتكشف هذه البيانات عن تقاعس السلطات الإيطالية في التعامل مع هذا الوضع المتفاقم رغم خطورته البالغة.
فبينما تتصاعد معدلات الاعتداء على القاصرين، تظهر الحكومة الإيطالية بمظهر غير قادر على حماية الأطفال في مواجهة هذا التهديد المتزايد.
واحدة من أبرز النتائج التي وثقها التقرير تتعلق بالزيادة المقلقة في أنواع مختلفة من الجرائم ضد الأطفال. وقد أظهرت الأرقام أن الاعتداءات الجسدية والعنف العائلي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، حيث سجلت نسبة زيادة تصل إلى 22% في الإساءة البدنية، بينما زادت حالات العنف الأسري بنسبة 15% على التوالي.
وبالرغم من انخفاض الاعتداءات الجنسية في بعض المؤسسات التعليمية بنسبة 24%، إلا أن حالات الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت قد ارتفعت بنسبة مذهلة تصل إلى 83%. هذه الزيادة لا تكشف فقط عن عجز النظام الأمني الإيطالي بل أيضاً عن تواطؤ واضح أو غفلة غير مبررة من قبل الحكومة الإيطالية في اتخاذ تدابير فعالة لمواجهة هذه الجرائم.
بالنسبة للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 سنة، فإن الوضع أكثر قلقاً. هذه الفئة من الضحايا تعاني بشكل مضاعف من تداعيات العنف الذي يتعرضون له سواء كان جسدياً أو نفسياً.
إن تأثير هذه الجرائم على الأطفال يمكن أن يمتد لسنوات عديدة، بل وقد يؤثر على تطورهم النفسي والجسدي بشكل قد ينعكس على حياتهم بشكل كامل. الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء الجنسي أو العنف الأسري غالباً ما يواجهون صعوبة شديدة في التعافي والتعامل مع الحياة اليومية بعد هذه التجارب المدمرة. إن معاناتهم تتطلب اهتماماً خاصاً من السلطات، وهو ما لم تقدمه الحكومة الإيطالية بشكل كافٍ أو فعّال.
تدعي السلطات الأمنية في إيطاليا أنها مستمرة في مكافحة هذه الظواهر المدمرة، ولكن الواقع يشير إلى تقاعسها وتراخيها أمام اتساع هذه الظاهرة. التقرير يشير بشكل خاص إلى ما يسمى “الحدود الافتراضية” في الفضاء الإلكتروني، حيث تتزايد الجرائم الإلكترونية التي تستهدف الأطفال بشكل أكبر مما كانت عليه في السابق.
ورغم أن جهاز الشرطة الإلكترونية يتعاون مع الأجهزة الأخرى لمكافحة هذا النوع من الجرائم، إلا أن جهودهم تبدو غير كافية بالنظر إلى الحجم الهائل للمشكلة، وهي بلا شك تتطلب استجابة أكثر سرعة وفعالية. لكن بدلاً من اتخاذ خطوات عملية لحماية الأطفال من هذا النوع من الاعتداءات، تبدو الحكومة الإيطالية منشغلة بالقضايا السياسية الأخرى ولا تعطي الأولوية القصوى لمواجهة هذا الخطر الداهم.
في ظل هذه الأوضاع، يبدو أن الحكومة الإيطالية لا تمتلك الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة هذه الجرائم بشكل حقيقي. فبدلاً من اتخاذ تدابير حاسمة وقوية لحماية الأطفال، تكتفي السلطات بتصريحات رسمية وتحقيقات غير كافية، مما يؤدي إلى استمرار تفشي هذه الظواهر بشكل مقلق. التقرير يبرز بشكل واضح الفجوة الكبيرة بين ما يتم الإعلان عنه وبين الواقع المرير الذي يعيشه الأطفال في إيطاليا اليوم.
إن الحاجة إلى تحرك جماعي وفعّال لحماية الأطفال أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. فالوضع لا يمكن أن يستمر على هذا النحو. على المجتمع الإيطالي أن يدرك أن استمرار السكوت عن هذه الجرائم وتجاهل معاناة الأطفال هو أمر غير مقبول على الإطلاق. الحكومة الإيطالية يجب أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة في هذا الشأن وتعمل على وضع استراتيجيات واقعية لمكافحة الاعتداءات على الأطفال بكل أشكالها، سواء كانت جسدية أو نفسية أو حتى إلكترونية.
من الضروري أن تعمل السلطات الإيطالية على زيادة الوعي المجتمعي حول أهمية حماية الأطفال وتثقيف الأسر والمدارس والهيئات الاجتماعية بسبل الوقاية من هذه الجرائم. كما يجب تعزيز التعاون بين مختلف الجهات الأمنية والحكومية لضمان تقديم الدعم اللازم للأطفال الضحايا وإعادة تأهيلهم بشكل يساهم في إعادة تأهيلهم وتوفير بيئة آمنة لهم.
إن الاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال في إيطاليا اليوم ليست مجرد أرقام في تقرير سنوي بل هي تجسيد لحالة من الإهمال الحكومي والفساد في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان. هذه الجرائم تمس أكثر فئات المجتمع هشاشة وتستدعي اهتماماً من جميع فئات الشعب الإيطالي لمطالبة الحكومة بتحمل مسؤولياتها الكاملة. الأمر لا يتعلق فقط بتحقيق العدالة للأطفال الضحايا، بل بتغيير شامل في النظام الذي يتيح لهذه الانتهاكات أن تحدث بانتظام وبدون محاسبة.