تشهد الأسواق المصرية موجة غير مسبوقة من ارتفاع أسعار العديد من السلع الغذائية الأساسية، ما يعكس بشكل واضح تقاعس الحكومة في اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية المواطن العادي من الأزمات المتلاحقة.
هذا الوضع المتدهور يلقي بظلاله على حياة ملايين المواطنين الذين أصبحوا عاجزين عن توفير احتياجاتهم اليومية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار دون أي تدخل فعال من السلطات المسؤولة، مما يفتح باباً واسعاً للتساؤلات حول الفساد الذي يعم المؤسسات الحكومية ويعوق أي محاولة لمعالجة هذه الأزمة الاقتصادية.
البداية مع ارتفاع أسعار زيوت الطعام، التي تمثل أحد أبرز السلع التي يعتمد عليها المواطن المصري. وفقاً للبيانات المنشورة من مصادر رسمية، شهدت أسعار زيت عباد الشمس وزيت الذرة ارتفاعات حادة في الآونة الأخيرة، مع تفاوت الأسعار بين مختلف الأنواع والشركات، الأمر الذي يعكس حالة من الفوضى العارمة في السوق المصرية وغياب الرقابة الفعلية من قبل الجهات المعنية.
ارتفع سعر لتر زيت عباد الشمس ليصل إلى متوسط قدره 88.4 جنيه، بزيادة قدرها 6.5 جنيه عن السعر السابق، في حين تراوح سعر اللتر بين 63 و120 جنيهاً، وهذا يعكس فجوة هائلة بين الأسعار ما يفتح المجال لتساؤلات حول مدى الشفافية والتلاعب الذي يشهده هذا القطاع.
وفي حالة أخرى من الجشع المستشري، ارتفع سعر لتر زيت عباد الشمس من إحدى العلامات التجارية الشهيرة بزيادة بلغت 9 جنيهات، ليصل متوسط السعر إلى 95.2 جنيه، مع تفاوت بين 75 و130 جنيهاً للتر الواحد.
هذه الأرقام توضح بشكل جلي كيف أن السوق تحكمه قوى الاحتكار والفساد التي تستغل غياب الرقابة الفعالة لزيادة الأرباح على حساب المواطن الذي يعاني من تدهور مستمر في قدرته الشرائية. وفي ذات السياق، ارتفع سعر لتر زيت الذرة من علامة تجارية أخرى بحوالي 4.5 جنيه، ليبلغ متوسط سعره 105.7 جنيه، وتراوح السعر بين 95 و160 جنيهاً، مما يظهر أن الوضع ليس استثنائياً أو عرضياً بل هو حالة عامة تمس جميع الزيوت النباتية الأساسية التي يعتمد عليها المواطن.
الارتفاعات لم تقتصر على الزيوت فقط، بل طالت أيضا سلعاً غذائية أخرى تعتبر من الأساسيات في كل بيت مصري. ارتفعت أسعار الدواجن بشكل ملحوظ، وهي سلعة تعتمد عليها شريحة واسعة من المواطنين كبديل للحوم الحمراء التي أصبح سعرها فوق متناول الجميع.
في ظل هذه الظروف، فإن الحكومة المصرية تقف موقف المتفرج غير مكترثة بما يحدث في الأسواق، مكتفية بإصدار بيانات ووعود لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولم تسلم الأجبان من موجة الغلاء، إذ شهدت أسعار الجبن الأبيض والجبن الرومي ارتفاعات غير مسبوقة، ما جعل هذه المواد الأساسية أيضاً خارج متناول العديد من المواطنين، الذين باتوا يعانون من صعوبة توفير وجبة متوازنة لأسرهم.
هذا التصاعد في أسعار الأجبان يأتي في ظل غياب أي سياسات حكومية حقيقية تهدف إلى دعم المواطنين أو وضع حد لجشع التجار الذين يستغلون الأزمة الاقتصادية لتحقيق أرباح طائلة على حساب الناس.
أما المسلي الصناعي، وهو من البدائل التي كانت تعتمد عليها الأسر محدودة الدخل لتوفير حاجاتها من الدهون، فقد شهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار دون أن يكون هناك أي توضيح أو مبرر من الحكومة لهذا الارتفاع، مما يؤكد على أن السلطات الحكومية إما غير قادرة أو غير راغبة في التحكم في الأسواق وضبط الأسعار، ما يزيد من معاناة المواطن البسيط.
وفي ظل هذه الأوضاع المتفاقمة، فإن الحكومة المصرية تستمر في تقديم وعود خالية من المضمون حول تحسين الأوضاع الاقتصادية، بينما يتزايد الغضب الشعبي من استمرار الفساد الذي يعم المؤسسات الحكومية ويمنع اتخاذ أي إجراءات فعالة لتخفيف العبء عن المواطنين.
ليس هناك أي بوادر تشير إلى وجود رغبة حقيقية في الإصلاح أو مكافحة الاحتكار، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات حول دور الحكومة في حماية المواطن من الاستغلال والجشع الذي أصبح القاعدة في السوق المصرية.
في الوقت الذي يرزح فيه ملايين المواطنين تحت وطأة هذه الارتفاعات المتتالية في أسعار السلع الأساسية، تكتفي الحكومة بالبيانات الرسمية التي لا تعكس الواقع المرير الذي يعيشه المواطنون يومياً، حيث الفساد المستشري في كل قطاع يقف حاجزاً أمام أي تحسين للوضع الاقتصادي.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: إلى متى ستظل الحكومة المصرية عاجزة عن القيام بدورها في حماية المواطنين من استغلال السوق، وإلى متى ستستمر هذه الفوضى الاقتصادية التي يدفع ثمنها المواطن الفقير؟
الواضح أن هناك تواطؤا بين الجهات المسؤولة وبعض التجار الذين يستغلون الأزمة لزيادة أرباحهم دون رادع. المواطنون باتوا يشعرون بأن الدولة تركتهم فريسة لهذه الأوضاع الصعبة، وأن هناك تقصيراً واضحاً في التدخل العاجل لإيقاف هذا التدهور الخطير في مستويات المعيشة.
ما تحتاجه مصر اليوم هو حكومة قوية وفعالة تضع مصلحة المواطن نصب أعينها بدلاً من الاكتفاء بإطلاق الوعود الجوفاء التي لا تسهم في تحسين الأوضاع المعيشية.
في ظل هذه الأوضاع المتفاقمة، على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة عن هذا التدهور الكبير في الأسواق وأن تتحرك بسرعة لإعادة السيطرة على الأوضاع الاقتصادية، أو ستواجه المزيد من الغضب الشعبي الذي لن يكون من السهل تجاهله.