في خطوة تعكس مدى الفشل الواضح للحكومة المصرية ووزارة البترول في التعامل مع مشكلات المواطنين قررت وزارة البترول والثروة المعدنية عودة نظام تقسيط مساهمة عملاء المشروع القومي لتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل إلى سابق عهده بعد أن كانت قد ألغته في شهر يونيو الماضي
هذا القرار الذي جاء بعد موجة من الانتقادات والتذمر الشعبي يوضح بجلاء كيف تتلاعب الحكومة المصرية بمصالح المواطنين وتعمل بشكل متخبط وغير مخطط له مما يعكس مدى ضعف الرقابة والتوجيه داخل مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على تقديم حلول عملية وواقعية لمشاكل المواطنين البسيطة
ما حدث في يونيو الماضي عندما تم إلغاء نظام التقسيط هو نموذج صارخ للتعسف الحكومي ضد المواطن حيث لم تقدم الحكومة أي تبريرات مقنعة لهذا القرار الذي أثر بشكل كبير على العديد من الأسر المصرية التي كانت تعتمد على هذا النظام لتخفيف الأعباء المالية عن كاهلها لتأتي وزارة البترول بعد شهور قليلة وتعلن عودته وكأن شيئاً لم يكن
هذا التراجع السريع عن القرار يوضح مدى العشوائية في اتخاذ القرارات الحكومية وكيف أن هذه القرارات لا تستند إلى أي دراسة أو تخطيط مسبق بل يتم اتخاذها بناء على أوامر عشوائية دون النظر إلى آثارها الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين
وفي إعلانها الجديد قالت وزارة البترول إن النظام سيعود ليطبق دون مقدم أو فوائد مع تحصيل الأقساط مع فاتورة الاستهلاك الشهري على مدى 7 سنوات في محاولة بائسة منها لتهدئة الرأي العام الذي اشتعل غضباً بعد إلغاء النظام من قبل هذا الإعلان يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات وازدياد معدلات البطالة والفقر ما يزيد من أعباء المواطنين الذين لم يجدوا من الحكومة سوى المزيد من القرارات التي تزيد من معاناتهم
اللافت في الأمر هو أن الوزارة أشارت إلى أن جميع التعاقدات السابقة التي تمت بعد إلغاء نظام التقسيط في يونيو سيتم إدراجها مرة أخرى ضمن النظام الجديد وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول مدى التخبط في السياسات الحكومية وكيف أن الحكومة المصرية لا تولي أي اهتمام لاحتياجات المواطنين ولا تفكر فيهم إلا بعد أن تعلو الأصوات الغاضبة في الشوارع والمنازل
وفي هذا السياق يمكن القول إن الحكومة المصرية لا تفعل شيئاً سوى معالجة المشكلات التي تخلقها بنفسها فهي التي ألغت النظام في المقام الأول ودون أي مبررات منطقية وهي التي تعود الآن وتقر بضرورة إعادته وكأنها لا تدرك أن المواطن المصري لا يمكن أن يتحمل المزيد من التلاعب بمصالحه
ولعل ما يزيد من الشعور بالاستياء هو أن الحكومة لا تزال عاجزة عن وضع خطة واضحة وشفافة لتطوير البنية التحتية للطاقة في مصر بما يضمن توصيل الغاز الطبيعي إلى جميع المناطق والمنازل بشكل عادل ومنتظم بدلاً من اتباع سياسات عشوائية تعتمد على قرارات متسرعة وغير مدروسة
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن إعادة نظام التقسيط من جديد نرى أن الشركات المنفذة للمشروع هي الأخرى تتحمل نصيباً من الفساد وسوء الإدارة حيث أشار البيان الصادر عن وزارة البترول إلى أن الشركات المنفذة للتعاقدات السابقة مطالبة باتباع الإجراءات المنظمة لإدراج التعاقدات ضمن نظام التقسيط مجدداً وهذا يشير إلى أن هذه الشركات كانت تتعامل مع الوضع دون أي ضوابط أو معايير واضحة وأنها تعمل هي الأخرى في إطار من العشوائية والفوضى التي تميز الأداء الحكومي المصري في السنوات الأخيرة
وهذا القرار يوضح أيضا مدى الفساد الذي يستشري في القطاع الخاص الذي يعمل مع الحكومة حيث أن هذه الشركات التي من المفترض أن تسهم في تطوير قطاع الطاقة في البلاد يبدو أنها هي الأخرى غير قادرة على العمل بفعالية في ظل غياب الرقابة والمساءلة الفعالة من الحكومة
وفي ضوء كل هذه التفاصيل يمكن القول إن الحكومة المصرية ووزارة البترول لم تكتف بالتقاعس عن توفير حلول حقيقية للمشكلات التي يواجهها المواطنون بل أسهمت بقراراتها العشوائية في زيادة الأعباء الاقتصادية عليهم ودفعهم نحو المزيد من الضغوط المالية والمعيشية
ومع عودة نظام التقسيط يتبين أن هذا القرار لا يعكس سوى محاولة يائسة لتخفيف الغضب الشعبي دون أن يكون هناك أي توجه حقيقي نحو معالجة المشكلات الهيكلية في قطاع الطاقة في مصر وهذا ما يجعل المواطن المصري يفقد الثقة في حكومته التي تثبت يوماً بعد يوم أنها لا تهتم بمصالحه وأنها غير قادرة على إدارة الأزمات بشكل فعال
ولذلك يبقى السؤال الكبير هو متى ستدرك الحكومة المصرية أن عليها أن تبدأ في اتخاذ قرارات مدروسة وشفافة تخدم المواطنين بدلاً من التلاعب بمصائرهم ومستقبلهم