تقاريرمصر

فساد الحكومة المصرية يفاقم أزمة الدواء ويهدد حياة ملايين المرضى بلا حلول

تتفاقم أزمة الدواء في مصر وسط فشل حكومي ذريع وتقصير متعمد في التعامل مع الكارثة التي تهدد حياة ملايين المواطنين في جميع أنحاء البلاد

وتأتي هذه الأزمة في الوقت الذي كشف فيه رئيس المجلس التصديري للصناعات الطبية محيي حافظ عن خطة حكومية غير مجدية تهدف لزيادة عوائد صادرات الصناعات الدوائية المصرية إلى 5 مليارات دولار سنوياً

في حين أن الواقع المزري يشير إلى عوائد لا تتجاوز المليار دولار حالياً وبدلاً من التركيز على حل الأزمات الداخلية المستفحلة مثل نقص الأدوية والمستلزمات الطبية ومستحضرات التجميل

فإن الخطة الحكومية تستهدف تجميع صادرات هذه الصناعات في كيان واحد وهو المجلس التصديري للصناعات الطبية بدلاً من توزيعها حالياً على أكثر من جهة مما يعكس تركيز الحكومة على الأرقام والتصدير على حساب توفير احتياجات السوق المحلي الملحة

ويبدو أن الإعلان عن هذه الخطة يأتي كجزء من محاولات الحكومة لتشتيت الانتباه عن الأزمة الحقيقية التي تعصف بسوق الدواء المصري حيث يعاني المصريون منذ شهور من اختفاء عدد كبير من أصناف الأدوية الضرورية وخاصة تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري والأمراض المناعية

ورغم محاولات الحكومة للتظاهر بأن الأمور تحت السيطرة فإن الاستغاثات اليومية التي تملأ منصات التواصل الاجتماعي والشكاوى المتزايدة من الصيادلة تعكس حجم الكارثة بشكل أكبر وأوضح

وفقاً لشعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية تشير التقديرات إلى أن هناك نقصاً في حوالي ألف صنف دوائي من أصل 17 ألف صنف متوفر في السوق المحلي ورغم هذه التقديرات الرسمية فإن الشكاوى التي ترد من مختلف أنحاء البلاد تؤكد أن حجم الأزمة أكبر بكثير ويصل إلى تضاعف كبير في أعداد الأدوية غير المتوفرة مما يزيد من معاناة المرضى ويهدد حياتهم وخاصة أولئك المصابين بأمراض مزمنة مثل مرضى السكري الذين بلغ عددهم المسجلين في هيئة التأمين الصحي فقط حوالي 11 مليون مواطن حتى ديسمبر 2022

وتأتي هذه الأزمة كنتيجة مباشرة لفساد الحكومة وسوء إدارتها للأزمة حيث تتعدد الأسباب التي يسوقها المسؤولون الحكوميون لتبرير هذا الفشل الذريع ولعل أبرز هذه الأسباب هو عدم استقرار سعر صرف العملة والذي تستخدمه الحكومة كحجة للتنصل من مسؤولياتها تجاه الأزمة وبدلاً من اتخاذ إجراءات فعالة لتوفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد المواد الخام الضرورية لتصنيع الأدوية تلجأ الحكومة إلى التسويف والمماطلة مما يعمق من حجم الأزمة ويزيد من معاناة المواطنين

كما أن تحرير سعر الصرف أسهم في تفاقم الأزمة حيث أن تسعير الدواء ظل على أساس السعر القديم للدولار مما أدى إلى خسائر كبيرة للشركات المنتجة التي عجزت عن الاستمرار في الإنتاج بالأسعار القديمة وفي يونيو الماضي أعلنت شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية عن رفع أسعار عدد من الأدوية بنسب تتراوح بين 10% و40% وهو ما يزيد من أعباء المواطنين الذين يعانون بالفعل من تدني الأجور وارتفاع تكلفة المعيشة وسط توقعات بزيادة أخرى في الأسعار خلال الأشهر القادمة مما يجعل الحصول على الدواء ضرورة شبه مستحيلة لقطاعات واسعة من الشعب المصري

ومن بين الأسباب الأخرى التي تسوقها الحكومة لتبرير هذا التقاعس الفاضح هي الرقابة الصورية التي تتبعها الجهات المعنية حيث تشير التقارير إلى أن هناك مواد فعالة غير مطابقة للمواصفات يتم إعدامها أو تهريبها خارج البلاد وخاصة إلى دول مثل ليبيا والسودان وهو ما يعكس غياباً كاملاً للرقابة الحقيقية على السوق المحلي ويفتح المجال أمام الفساد المستشري داخل هذه المؤسسات والجهات الرقابية

ولم يقتصر فساد الحكومة على إدارة أزمة الدواء فقط بل تتعقد الأزمة أكثر عندما يلجأ بعض التجار إلى تخزين كميات كبيرة من الأدوية بهدف خلق سوق موازية يتم فيها بيع الأدوية بأسعار مضاعفة في ظل انعدام الرقابة الحكومية الفعالة وغياب العقوبات الرادعة مما يفاقم من معاناة المواطنين ويزيد من حدة الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد في جميع المجالات

وعلى الرغم من وجود 170 مصنعاً لإنتاج الدواء في مصر وتوفر نسبة تصنيع محلي تتجاوز 75% من احتياجات المصريين من الأدوية بالقيمة المالية فإن حجم المبيعات السنوية بسوق الدواء بلغ حوالي 7 مليارات دولار العام الماضي ممثلة في 4 مليارات وحدة مبيعة وفقاً للإحصاءات الرسمية إلا أن هذه الأرقام تبدو بلا معنى على أرض الواقع حيث أن الأدوية الضرورية باتت غير متوفرة في الصيدليات والمستشفيات الحكومية والخاصة على حد سواء

في هذا السياق تأتي محاولة الحكومة لتأسيس ما يسمى بالوكالة العربية للدواء “وعد” بعد مفاوضات استمرت 30 شهراً كما أعلن نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة وهي محاولة عقيمة أخرى تهدف فقط إلى إيهام الرأي العام بأن الحكومة تبذل جهداً لحل الأزمة فيما يظل الواقع مغايراً تماماً وتبقى المشكلة قائمة دون حلول حقيقية إن هذه الوكالة التي تم اختيار مصر مقراً لها ما هي إلا غطاء آخر لفساد الحكومة وتقصيرها المتعمد في مواجهة الأزمة التي تهدد حياة ملايين المصريين الذين لا يجدون أدويتهم ولا يجدون من الحكومة سوى وعود كاذبة وخطط غير واقعية

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى