الدكتور محمد عماد صابر: العلاقات التركية المصرية ستعود بسلام حذر وتعاون أمني محدود
صرح الدكتور محمد عماد صابر، رئيس منتدى “برلمانيون لأجل الحرية”، بأن العلاقات التركية المصرية تشهد تحولات جديدة ومهمة قد تعيدها إلى ما كانت عليه في عهد نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
إلا أن هذه العودة لا تعني بالضرورة عودة العلاقات إلى سابق عهدها بشكل كامل أو مطلق، بل يمكن وصفها بأنها “سلام حذر” حيث ستتوقف الحملة الإعلامية المتبادلة بين البلدين وستتلاشى حالة التربص المستمرة التي ميزت السنوات السابقة، ولكن رغم ذلك لن تعود العلاقات إلى حالتها الطبيعية بشكل كامل في جميع المستويات.
وأوضح الدكتور محمد عماد صابر أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة ستشهد تعاوناً قوياً على المستوى الأمني والمخابراتي، حيث سيكون هناك تنسيق في الملفات ذات الاهتمام المشترك لضمان تحقيق مصالح الطرفين، كما أن العلاقات الاقتصادية والشعبية بين البلدين ستتطور بشكل ملحوظ نظراً للمصالح المشتركة بينهما.
وأضاف أن هذا التعاون سيساهم في تحسين العلاقات بين البلدين في بعض المجالات الاقتصادية، ولكن في المقابل فإن التعاون على المستوى السياسي والإقليمي لن يتجاوز دائرة التصريحات البروتوكولية الشكلية دون أي تقدم ملموس أو فعل حقيقي على أرض الواقع، مشيراً إلى أن كلا البلدين لا يزال ينظر إلى الآخر بعين التوجس والريبة.
وأشار الدكتور صابر إلى أن ملف ليبيا يمثل أحد أبرز القضايا التي ستشهد تنسيقاً بين تركيا ومصر، ولكن هذا التنسيق لن يصل إلى مستوى التعاون الوثيق وذلك لتضارب المصالح بين البلدين في هذا الملف الحساس. ففي الوقت الذي تسعى فيه تركيا إلى تعزيز نفوذها في ليبيا، فإن مصر ترى في هذا التحرك تهديداً لمصالحها القومية وأمنها الإقليمي.
ومن هنا فإن التعاون بين البلدين في الملف الليبي سيكون محدوداً وسيهدف بالدرجة الأولى إلى منع حدوث أي صدام مباشر بين الطرفين بدلاً من تحقيق تعاون استراتيجي شامل.
ومن ناحية أخرى، أكد صابر أن كلا البلدين يعانيان من ضغوط اقتصادية هائلة في الوقت الراهن، مما يحد من قدرتهما على الحركة بفاعلية داخل الإقليم، حيث تواجه تركيا أزمة اقتصادية خانقة تتمثل في ارتفاع التضخم وتدهور قيمة العملة المحلية، في حين تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة بسبب ارتفاع معدلات الدين العام وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وأوضح أن هذه الضغوط الاقتصادية تلعب دوراً رئيسياً في توجيه سياسات البلدين الخارجية وتقليص قدرتهما على التحرك بفاعلية أو الدخول في مواجهات إقليمية جديدة.
وفي معرض حديثه عن أفضل فترات العلاقات المصرية التركية، أشار الدكتور محمد عماد صابر إلى أن التميز الحقيقي والغير مسبوق في العلاقات بين القاهرة وأنقرة كان خلال فترة حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي. ففي تلك الفترة القصيرة التي تولى فيها مرسي الحكم، شهدت العلاقات بين البلدين ازدهاراً غير مسبوق وتعاوناً وثيقاً في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.
ولفت إلى أن هذه الفترة كانت بمثابة ذروة التفاهم والتقارب بين البلدين، حيث كان هناك توافق في الرؤى بين النظامين الحاكمين في مصر وتركيا آنذاك، وهو ما ساهم في تعزيز العلاقات الثنائية بشكل غير مسبوق. ولكن بعد الإطاحة بمرسي في الثالث من يوليو 2013 وتولي نظام عبد الفتاح السيسي السلطة في مصر، تدهورت العلاقات بين البلدين بشكل سريع وملحوظ حيث تبادل الطرفان الاتهامات وحملات التشويه الإعلامية.
وشدد صابر على أن العلاقات المصرية التركية في الوقت الراهن لن تعود إلى هذا المستوى من التفاهم والتعاون في المستقبل القريب، حيث أن الوضع الحالي يشير إلى أن هناك حالة من الحذر المتبادل والتوجس بين الطرفين. فالبلدان لا يزالان ينظران إلى بعضهما البعض من منظور المنافسة الإقليمية والتحديات الأمنية والسياسية التي تواجه كل منهما في الشرق الأوسط.
ورغم التقارب الظاهري الذي قد يبدو للبعض أن العلاقات تسير نحوه، فإن هذا التقارب يبقى حذراً ومشروطاً بمصالح البلدين وبقدرة كل منهما على التعامل مع الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجهه.
كما أشار إلى أن السلام الحذر الذي يلوح في الأفق بين القاهرة وأنقرة يمكن أن يستمر لفترة من الزمن دون أن يتحول إلى علاقة تعاون استراتيجي حقيقي في المستقبل القريب، حيث أن البلدين يعانيان من هموم اقتصادية هائلة تجعل من الصعب عليهما الاستثمار في تعزيز العلاقات الثنائية بشكل كبير.
وبالتالي فإن ما نراه اليوم من تقارب بين مصر وتركيا قد يكون تقارباً تكتيكياً مرحلياً أكثر منه تحالفاً استراتيجياً دائماً.
وختم الدكتور محمد عماد صابر تصريحاته بالتأكيد على أن العلاقات التركية المصرية ستظل محكومة بالواقع الإقليمي والدولي المتغير، وأن أي تطور حقيقي في هذه العلاقات يعتمد بالدرجة الأولى على قدرة الطرفين على تجاوز خلافاتهما الجوهرية وإيجاد أرضية مشتركة للتعاون البناء.
وأضاف أن التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه كلا البلدين قد تلعب دوراً محورياً في تحديد مستقبل هذه العلاقات، وأنه على الرغم من التحسن النسبي الذي شهدته العلاقات مؤخراً، إلا أن السلام الحذر سيظل هو العنوان الأبرز لهذه المرحلة