تقاريرمصر

الحكومة المصرية تدمر الاقتصاد بسياسات فاشلة وتغرق البلاد في الديون لمصلحة قلة فاسدة

في تقرير جديد صدر عن صندوق النقد الدولي عقب اختتام بعثته زيارة لمصر، أعلنت المؤسسة الدولية أنها أحرزت تقدماً كبيراً في مناقشة السياسات الاقتصادية مع الحكومة المصرية لاستكمال المراجعة الرابعة في إطار تسهيل الصندوق الممدد، وهو البرنامج الذي وُضعت مصر تحت شروطه القاسية منذ عام 2022، بعدما أقر الصندوق برنامج قرض قيمته الكلية 46 شهراً وزيادة لاحقة لحجم القرض إلى 8 مليارات دولار،

ووفق ما أورد الصندوق فإن المراجعة الرابعة ستمنح مصر تمويلاً إضافياً بأكثر من 1.2 مليار دولار، ليصبح الدين العام في تصاعد مستمر وسط سياسة مالية كارثية تتبعها الحكومة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي واصل إعطاء وعود زائفة للشعب المصري، في حين يستجيب لاملاءات المؤسسات الدولية التي لم تجلب لمصر سوى المزيد من الفقر والتبعية.

يدعي صندوق النقد الدولي في تقريره أن مصر “نفذت الإصلاحات الرئيسية للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي”، ويشمل ذلك توحيد سعر الصرف الذي يُزعم أنه سهل عمليات الاستيراد، بالإضافة إلى تعهدات متكررة من قبل البنك المركزي المصري بالحفاظ على نظام مرن للصرف.

لكن هذا التقييم لا يعكس على الإطلاق ما يعايشه المصريون يومياً في ظل التضخم الحاد وارتفاع أسعار السلع الأساسية، الذي جاء كنتيجة مباشرة لسياسات الصندوق، وهو ما يعترف به خبراء اقتصاديون يرون أن الحكومة المصرية تخدع المواطنين بشعارات زائفة عن الإصلاحات،

بينما هي في الحقيقة تقوم بتفكيك الاقتصاد لصالح الفئة القليلة من رجال الأعمال والمقربين من السلطة، الذين استفادوا من انهيار العملة المحلية.

تصر الحكومة المصرية، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، على إخفاء الحقيقة المرّة التي يعيشها الشعب المصري، فمنذ سنوات والسيسي يعلن في خطاباته المتكررة أنه لن يخضع الشعب لشروط قاسية تتعلق باقتصادهم اليومي، في محاولة منه للظهور بمظهر الزعيم الوطني الذي يرفض الضغوط الخارجية. لكن ما يحدث على أرض الواقع يناقض تماماً تلك التصريحات،

فقد بات واضحاً أن الحكومة المصرية تلتزم بشكل مطلق بتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، وهو ما يظهر بوضوح في الإجراءات التي اتخذتها مؤسسات الدولة، والتي شملت تقليص الدعم على العديد من الخدمات والسلع الأساسية، بالإضافة إلى تعويم الجنيه المصري الذي فقد أكثر من نصف قيمته خلال السنوات القليلة الماضية.

وقد وصف بعض المراقبين تصريحات السيسي بالزائفة، حيث أشاروا إلى أن الرئيس المصري يتعمد تشتيت انتباه الشعب عن حقيقة أن حكومته تدمر الاقتصاد الوطني من أجل الحصول على المزيد من القروض التي لن تساهم سوى في زيادة الديون العامة. فبدلاً من اتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية لإنعاش الاقتصاد ودعم الطبقات الفقيرة، اختارت الحكومة المصرية الاستمرار في سياسات تزيد من حدة الأزمة، معتمدة على الدعم الخارجي لتغطية فشلها الداخلي.

هذه السياسات، التي يدعمها صندوق النقد الدولي، لم تؤد إلا إلى تعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث يعيش جزء كبير من المصريين اليوم في فقر مدقع، بينما تستمر الحكومة في تقديم تسهيلات واستثمارات لمجموعة صغيرة من رجال الأعمال والمقربين من السلطة الذين يستفيدون من انعدام الرقابة والشفافية في إدارة الموارد الاقتصادية.

ويجدر بالذكر أن السياسات الاقتصادية التي يفرضها الصندوق على مصر ليست جديدة، بل هي تكرار لنهج فاشل يتبعه الصندوق في عدة دول نامية، حيث تكون النتيجة دائماً مزيداً من التقشف والخصخصة التي تؤدي في النهاية إلى تدهور الأوضاع المعيشية لغالبية السكان، بينما تستفيد النخب الاقتصادية والسياسية. ويبدو أن مصر ليست استثناء من هذا السيناريو.

في الوقت نفسه، ورغم تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، تستمر الحكومة المصرية في محاولاتها للترويج لنجاحات وهمية في وسائل الإعلام المحلية، حيث تحاول إقناع الشعب بأن ما تقوم به هو السبيل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد. إلا أن الحقائق على الأرض تروي قصة مختلفة تماماً. فالأزمة الاقتصادية ليست فقط نتيجة السياسات الخارجية التي فُرضت على مصر، بل هي أيضاً نتيجة لفساد حكومي متفشٍ، وإدارة غير رشيدة للموارد، وعدم قدرة الحكومة على تحقيق أي نوع من التنمية الاقتصادية الحقيقية.

من جانب آخر، فإن تعهدات البنك المركزي المصري بالحفاظ على نظام مرن للصرف، كما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي، لم تؤد إلى أي تحسن ملموس في الأوضاع الاقتصادية، بل على العكس، فقد أضرت بالإنتاج المحلي وزادت من الاعتماد على الاستيراد، مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري وارتفاع الأسعار بشكل جنوني. ويبدو أن هذه السياسات تصب في مصلحة النخبة الحاكمة ورجال الأعمال المقربين من السلطة، الذين يستفيدون من الخصخصة والسياسات النيوليبرالية التي تهدف إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأمد على حساب الشعب.

كل هذه الإجراءات تضع مصر في دائرة مغلقة من الديون والتبعية المالية للمؤسسات الدولية، وهي دائرة يبدو أن الحكومة المصرية غير قادرة أو غير راغبة في الخروج منها، مما يضع مستقبل الاقتصاد المصري في خطر حقيقي.

فإن ما يفعله السيسي وحكومته هو تقويض الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في مصر. الشعب المصري لم يعد قادراً على تحمل المزيد من الوعود الفارغة والإجراءات العقيمة. وإذا استمرت الحكومة في هذا المسار، فإن العواقب ستكون وخيمة على البلاد بأكملها، حيث ستزداد معدلات الفقر والبطالة، وسيؤدي الانفجار الاجتماعي في النهاية إلى تدهور الأمن والاستقرار.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى