أعضاء في الكونجرس الأمريكي يهددون بتطبيق “قانون غزو لاهاي” ضد المحكمة
في تطور خطير على صعيد العلاقات الدولية، أطلق عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي تهديدات مباشرة للمحكمة الجنائية الدولية بعد إصدار الأخيرة مذكرتي اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن المقال يوآف غالانت.
هذه التهديدات لم تقتصر على مجرد كلمات وإنما امتدت إلى الحديث عن إمكانية تطبيق “قانون غزو لاهاي”، وهو القانون الأمريكي المثير للجدل الذي يعود لعام 2002 والذي يتيح استخدام القوة العسكرية ضد الدول التي قد تقوم بتنفيذ أوامر المحكمة الجنائية الدولية.
هذا التصعيد يأتي بعد أن وجه السيناتور الجمهوري توم كوتون تهديدات للمحكمة الجنائية الدولية، متهماً إياها بأنها “محكمة صورية”، في تصريح نشره على منصة “إكس” حيث وصف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، بأنه “متعصب ومجنون”.
ولم يكتفِ كوتون بذلك، بل أضاف محذراً من أن أي محاولة لتنفيذ أوامر الاعتقال بحق المسؤولين الإسرائيليين ستكون “خارج القانون” معتبراً أن ذلك يشكل تهديداً مباشراً للسيادة الأمريكية والدول الحليفة لها.
وذهب أبعد من ذلك عندما ذكر أن “قانون غزو لاهاي” هو الرد المناسب في هذه الحالة، محذراً من أن أي محاولة لتنفيذ هذه الأوامر ستكون بمثابة تصعيد خطير قد يطال الدول التي تسعى لتطبيق تلك الأوامر.
من غير المستغرب أن يأتي هذا التصريح في إطار حملة مستمرة ضد المحكمة الجنائية الدولية، التي يرى العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي أنها تتدخل في شؤون الدول ذات السيادة.
توم كوتون نفسه معروف بتصريحاته المثيرة للجدل، فقد كان قد هاجم في وقت سابق سيدة كانت ترتدي الكوفية الفلسطينية في مناسبة عامة، واصفاً إياها بأنها رمز للإرهاب.
تصريحات كوتون تعكس المواقف الصارمة التي يتبناها ضد أي تهديد للمصالح الأمريكية أو حلفائها، وهو ما يظهر بوضوح من تهديداته ضد المحكمة الجنائية الدولية.
لكن ما يجب أن يفهمه الجميع هو أن تهديدات السيناتور كوتون وآخرين في الكونغرس ليست مجرد مواقف شخصية أو عابرة، بل هي تمثل جزءاً من سياسة أمريكية أوسع تهدف إلى تحجيم تأثير المحكمة الجنائية الدولية على السياسات الدولية.
وبالرغم من أن هذه التهديدات تستهدف المحكمة بشكل مباشر، فإنها تحمل أيضاً رسالة للدول التي قد تفكر في التعاون مع المحكمة. تهديدات الولايات المتحدة لا تقتصر على إدانة المحكمة فقط، بل تتعدى ذلك إلى الضغط على الدول الأعضاء في المحكمة لثنيهم عن التعاون معها.
مفهوم “قانون غزو لاهاي” الذي ارتبط باسمه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، هو تشريع تم توقيعه في 3 أغسطس 2002 بهدف حماية العسكريين الأمريكيين من محاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية. القانون يعطي الولايات المتحدة صلاحية استخدام القوة العسكرية لتحرير أي أميركي محتجز أو معتقل من قبل المحكمة، بل وأيضاً من قبل أي دولة تصادق على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية. المثير هنا هو أن هولندا، التي تحتضن مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، هي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ما يثير تساؤلات حول الأبعاد العسكرية والقانونية لهذا التهديد.
ويتيح “قانون غزو لاهاي” للرئيس الأمريكي استخدام “الوسائل الضرورية كافة” للإفراج عن أي شخص أمريكي محتجز من قبل المحكمة الجنائية الدولية أو بتعليمات منها، سواء في الأراضي الهولندية أو أي دولة أخرى عضو في المحكمة. وبالرغم من أن القانون قد تم تمريره من قبل الإدارة الأمريكية في وقتها، إلا أن ردود الفعل الدولية عليه كانت شديدة السلبية، حيث وصفته العديد من المنظمات الحقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش” بأنه محاولة لترهيب الدول التي تصادق على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، معتبرة أن هذا القانون جزء من حملة أوسع لعرقلة عمل المحكمة.
الردود العالمية على “قانون غزو لاهاي” كانت غاضبة، حيث رأت الكثير من الدول أنه يمثل تهديداً لسيادتها وللنظام القانوني الدولي. على وجه الخصوص، كانت هولندا، التي تعد مقر المحكمة الجنائية الدولية، من بين الدول الأكثر استنكاراً لهذا القانون، مما خلق توترات دبلوماسية بين البلدين. وقد انتقدت الكثير من الدول، حتى الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، هذا القانون، معتبرة إياه تعدياً على مبدأ العدالة الدولية.
يبدو أن هذه التهديدات التي يطلقها أعضاء الكونغرس الأمريكي ضد المحكمة الجنائية الدولية لن تكون مجرد تصعيد مؤقت، بل هي جزء من سياسة طويلة الأمد تهدف إلى الحد من دور المحكمة في محاكمة القادة السياسيين والعسكريين الذين يتهمون بارتكاب جرائم حرب. إن التلويح باستخدام “قانون غزو لاهاي” يشير إلى أن الولايات المتحدة مستعدة للذهاب بعيداً في دعم حلفائها في إسرائيل، حتى لو كان ذلك على حساب النظام القانوني الدولي.
من الواضح أن هذه الحملة لا تستهدف فقط المحكمة الجنائية الدولية، بل تسعى أيضاً إلى توجيه رسالة للدول الأخرى التي قد تسعى للانضمام إلى معاهدة المحكمة الجنائية الدولية أو التعاون معها. والحديث عن استخدام “قانون غزو لاهاي” يجعل من الواضح أن الولايات المتحدة لا تتوانى عن اتخاذ إجراءات حاسمة ضد أي جهة قد تهدد مصالحها أو مصالح حلفائها، مما يعكس هيمنة الولايات المتحدة على النظام القانوني الدولي في العديد من المجالات.
ويبقى السؤال حول مدى تأثير هذه التهديدات على المحكمة الجنائية الدولية وقدرتها على تنفيذ مذكرات الاعتقال بحق المسؤولين الإسرائيليين. وبينما تواصل الولايات المتحدة استخدام قوتها السياسية والعسكرية لردع المحكمة، فإن القضية تظل مفتوحة وتثير تساؤلات حول توازن القوى في النظام الدولي، وحول دور المحكمة الجنائية الدولية في محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية.