محاولات تصفية النصر للسيارات وانهيار وعود إنتاج السيارة المصرية قبل 2025
شهدت مصر في الآونة الأخيرة احتفاءً واسعًا بعودة إحدى الشركات المحلية العريقة للعمل مرة أخرى، والإعلان عن إنتاج أول أتوبيس كهربائي بمكون محلي يفوق 45٪.
كما طُرح حديث عن اقتراب موعد إنتاج سيارة ركوب محلية بحلول منتصف 2025. ولكن خلف هذا الإعلان الزاهي تكمن حقيقة قاتمة عن سوء الإدارة والفساد الحكومي الذي أودى بصناعة السيارات المصرية إلى هذا الحد من التدهور.
القصة الحقيقية لهذه الشركة أعمق بكثير من مجرد عودة إنتاج أتوبيس أو سيارة محلية. ما جرى بالفعل هو تصفية ممنهجة لهذه الشركة بدأت منذ سنوات طويلة، لتكشف الفوضى الحكومية والإهمال الذي طال كل جوانب إدارة هذا القطاع الحيوي، فضلًا عن القرارات العشوائية التي اتخذتها الدولة ودفعت بالشركة إلى حافة الانهيار.
تحريف الحقائق وتضليل الرأي العام
تواجه الشركة مغالطات كبيرة في سرد تاريخ تصفيتها وعودتها للعمل. فالشركة التي صدر قرار بتصفيتها في عام 2009 كانت قد تعرضت لسلسلة من المشكلات المتراكمة نتيجة التدهور الإداري، وقرار دمجها مع شركة أخرى مختصة بإنتاج الأتوبيسات والميني باص في نفس الموقع، مما أدى إلى تحميلها ديونًا ضخمة وتدهور أوضاعها بشكل كارثي.
وبدلًا من مواجهة هذه الأزمات بجدية، لجأت الإدارة الحكومية إلى تقليص العمالة من حوالي 9 آلاف عامل إلى أقل من 1200 عامل، وتجاهلت الكفاءات الموجودة في الشركة بتطبيق خطة المعاش المبكر. وفي الوقت ذاته، اضطر المسئول عن التصفية إلى بيع معدات الشركة خردة لسداد رواتب العاملين.
إعادة إحياء متعثرة ومخالفة التوصيات
في عام 2011، ومع انطلاق ثورة يناير، بدأت تتعالى الأصوات المطالبة بإعادة النظر في قرار التصفية. وفي 2012، تم تشكيل لجنة لإحياء الشركة بقيادة شخصية بارزة، وقدمت اللجنة توصيات مهمة، منها ضرورة دمج الشركة مجددًا مع الشركة الأخرى والبحث عن شريك أجنبي لضخ الاستثمارات المطلوبة.
ومع ذلك، تجاهلت الحكومة توصيات اللجنة واستمرت في اتخاذ قرارات تضر بمستقبل الشركة، متجاهلة المطالب الشعبية بوقف التصفية.
الفشل في تنفيذ الخطط الحكومية
في عام 2014، تم تنفيذ عقود توريد الأتوبيسات الجديدة للجهات الحكومية ولكن على حساب الشركة الهندسية التي كانت تُنتج الأتوبيسات، في حين كانت الشركة المحلية في حالة من الفوضى.
وقد تسلمت إحدى الهيئات العامة الدفعة الأولى من الأتوبيسات بالتعاون مع شريك أجنبي في 2014، وفي نهاية 2023 تم تسليم دفعة أخرى تعمل بالغاز. ومع ذلك، لم يكن هناك أي تقدم حقيقي في إعادة إحياء الشركة نفسها.
وفي 2017، صدر قرار الجمعية العمومية بوقف تصفية الشركة رسميًا. ومنذ ذلك الحين، تم اتخاذ عدد من الإجراءات، بما في ذلك دمج الشركات ذات العلاقة وإعادة تبعية بعض الشركات الأخرى لإدارتها.
وعلى الرغم من هذه الإجراءات، فإن الشركة لم تبدأ فعليًا في إنتاج أي سيارات أو أتوبيسات حتى الآن، بل إن المنشآت والمعدات التي كان من المفترض أن تعود إلى العمل لا تزال في حالة يرثى لها.
الوعود الزائفة والإعلان عن مشروعات وهمية
في 2020، أطلق أحد الوزراء السابقين وعودًا كبيرة بالإعلان عن إنتاج 25 ألف سيارة كهربائية سنويًا، والبدء في الإنتاج قبل نهاية 2021. إلا أن هذه الوعود لم تتحقق، رغم توقيع مذكرة تفاهم مع شركة صينية رائدة في صناعة السيارات.
لم يقتصر الأمر على الوعود الفارغة فقط، بل إن الدولة أعلنت عن استيراد 13 سيارة كهربائية لتجربتها في الشوارع المصرية، إلا أن هذا المشروع لم يرَ النور حتى اليوم. ولم يُحاسب أحد حتى الآن على الأموال التي أُنفقت في هذا الاستيراد الفاشل.
التوقف المفاجئ وإهدار الفرص
في خطوة مفاجئة، أعلنت الحكومة في وقت لاحق عن توقف المفاوضات مع الشريك الصيني، وبالتالي تبخر حلم إنتاج السيارة الكهربائية المحلية. هذا الفشل الذريع يُظهر مدى التخبط الحكومي وسوء التخطيط، إذ لم تُتخذ أي خطوات جادة أو مدروسة لإنقاذ الشركة أو تحقيق أهدافها.
وفي الأسابيع الأخيرة، أُقيم احتفال كبير بالإعلان عن عودة الإنتاج في الشركة، ولكن الحقيقة المخفية أن ما جرى هو استخدام منشآت الشركة الأخرى المنتجة للأتوبيسات، وليس الشركة نفسها. هذا الإعلان لا يعدو كونه خدعة لتجميل الصورة الحكومية، بينما تظل الشركة الأصلية عاجزة عن الإنتاج الفعلي.
الفساد الحكومي والعقبات أمام إنتاج سيارة محلية
تواجه الشركة عقبات كبيرة تحول دون تحقيق حلم إنتاج سيارة ركوب محلية في عام 2025، رغم الترويج الإعلامي المكثف لهذا الموعد. أولى هذه العقبات هي عدم جاهزية المنشآت والمعدات الخاصة بالشركة.
أما العقبة الأكبر فهي الحاجة إلى شريك استراتيجي لاستثمار مبالغ ضخمة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. كما أن نسبة المكون المحلي المقترحة لإنتاج سيارة مصرية يجب أن تتجاوز 70٪، وهو ما يصعب الوصول إليه في الوقت الراهن.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الدراسات الخاصة بإنتاج السيارة لم تُستكمل بعد، ولا يوجد أي تأكيدات ملموسة على نجاح هذه المشاريع المستقبلية. وعلى الرغم من أن الحكومة تحاول تصوير الأمر وكأنه إنجاز وطني، إلا أن الواقع يكشف عن عجز واضح في التخطيط والتنفيذ.
أوهام القيادة الحكومية
إن القصة الحقيقية لعودة الشركة هي قصة فساد حكومي وإدارة سيئة أدت إلى تفاقم أزمات الصناعة الوطنية. ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومة تتفاخر بإطلاق مشروعات وهمية ووعود كاذبة،
كانت الشركة تغرق في الديون والتخبط. ومن الواضح أن الحكومة المصرية، بدلًا من دعم الصناعة المحلية بشكل حقيقي، تتجاهل الحقائق وتستمر في بيع الأوهام للشعب.
إن الفشل في إنتاج السيارة المحلية بحلول 2025 ليس إلا نتيجة طبيعية لهذه السياسات الفاشلة، وإذا لم تُحاسب الحكومة عن تقصيرها وإهمالها، فإن مستقبل الصناعة المصرية برمته سيظل على المحك.