تقاريرمصر

الحكومة المصرية تؤجل قضية منجم السكري لأجل غير مسمى وسط شكوك بالفساد

تُعاد قضية منجم السكري إلى الواجهة بعد تأجيلها لأجل غير مسمى دون تبرير أو مبرر منطقي في فضيحة جديدة تكشف عن مدى الفساد والتقاعس داخل أجهزة الدولة المصرية.

الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة حول نوايا الحكومة المصرية التي تسعى بشكل واضح إلى إخفاء الحقائق والتلاعب بمصالح الشعب لصالح مستثمرين أجانب على حساب الثروات الوطنية.

القصة بدأت عام 1994 عندما وقعت وزارة البترول المصرية اتفاقية شراكة مع شركة “سنتامين” لمنحها امتياز استغلال منجم السكري الشهير.

هذا الاتفاق الذي كان من المفترض أن يضمن لمصر نصف إنتاج المنجم البالغ احتياطيه نحو 5.8 مليون أوقية من الذهب، كان محل جدل منذ توقيعه.

الفساد الحكومي بدأ يظهر بشكل أكثر وضوحًا بعد قيام الثورة المصرية في 2011. فقد تم الطعن في صحة الاتفاقية وسط موجة من الانتقادات الشعبية التي طالبت بإعادة النظر في الصفقات المشبوهة التي أبرمتها الحكومات السابقة.

وفي عام 2012، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمًا يقضي بصحة الاتفاقية لكن على نحو يثير الكثير من الريبة. فقد أوضحت المحكمة أن وزارة البترول لم تقدم الأدلة الكافية لإثبات حصول الاتفاقية على الموافقة القانونية الكاملة، وهو ما دفع بالمسألة إلى مرحلة جديدة من التقاضي.

في ذلك الوقت، كانت الأنظار تتجه نحو المحكمة الإدارية العليا التي كان من المقرر أن تبت في الاستئناف، إلا أن هذه المحكمة أجلت النظر في القضية لأجل غير مسمى دون إبداء أسباب واضحة.

هذه الخطوة لم تكن سوى بداية لتراكمات من التأجيلات والقرارات الغامضة التي ساهمت في تأجيج الشكوك حول تورط الحكومة المصرية في التستر على فساد ممنهج.

وفي 2014، جاء القانون رقم 32 ليضيف مزيدًا من الغموض والريبة إلى المشهد. فقد نص هذا القانون على منع أي طرف ثالث من الطعن على الاتفاقيات التي تبرم بين الحكومة والمستثمرين، مما يفتح المجال واسعًا أمام استمرار الفساد دون رقيب أو حسيب.

ولم يكن القانون رقم 32 مجرد نص قانوني عابر، بل تم دعمه بحكم من المحكمة الدستورية العليا التي قضت بدستوريته، مما أتاح للشركة استغلال هذه الثغرة القانونية وتقديم طلب لرفض الدعوى المقامة ضدها.

شركة “سنتامين”، التي كانت في ذلك الوقت شريك الحكومة المصري في إدارة المنجم، سارعت إلى الترحيب بالحكم الذي يخدم مصالحها ويثبت صحة الاتفاقية من وجهة نظرها. إلا أن الشكوك حول الفساد الحكومي ازدادت بعد أن أعلنت الشركة بيع أسهمها بالكامل لشركة “أشانتي” الجنوب أفريقية في صفقة بلغت قيمتها 2.5 مليار دولار في الشهر الماضي.

هذه الصفقة التي تمت بشكل مفاجئ أثارت تساؤلات حول التوقيت والدوافع الحقيقية وراءها، خاصة بعد سنوات من التجاهل الحكومي لشكوى بطلان الاتفاقية.

الكارثة لم تتوقف عند هذا الحد. فبحسب تقارير متفرقة، تم الكشف عن أن الشركة الجديدة التي استحوذت على “سنتامين” تضم في مجلس إدارتها مستثمرين من جنسيات متعددة، من بينها إسرائيل والإمارات.

هذا الكشف الخطير يعيد إلى الأذهان دور دول معينة في التلاعب بالثروات الوطنية المصرية، خصوصًا عندما تأخذ بعين الاعتبار الزيارات والاجتماعات السابقة التي تمت بين مسؤولين مصريين ومستثمرين من هذه الدول.

في عام 2017، أجرى المستثمر الإماراتي عبد الله سعيد آل ثاني، رئيس شركة “ثاني دبي الإمارات للتعدين”، اجتماعًا مع وزيرة الاستثمار المصرية سحر نصر، لبحث زيادة استثمارات شركته في مصر في مجال البحث عن الذهب.

مثل هذه اللقاءات، التي قد تبدو في ظاهرها طبيعية، لا يمكن فصلها عن تطورات الأحداث المتعلقة بمنجم السكري والشركات التي تدير عملياته.

من الواضح أن الحكومة المصرية لم تتخذ أي خطوة جادة لحماية مصالح الشعب أو لاستعادة الثروات المنهوبة. بل على العكس تمامًا، يبدو أن الحكومة تعمل جاهدة على تمرير الاتفاقيات المشبوهة وإخفاء الحقائق عن الرأي العام. قرار تأجيل القضية لأجل غير مسمى يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن هناك نية مبيتة لدى الحكومة للتغطية على فسادها وتواطؤها مع المستثمرين الأجانب الذين يسعون إلى نهب ثروات مصر الطبيعية.

أين دور الجهات الرقابية؟ وأين دور البرلمان؟ وأين موقف القيادة السياسية من هذه الكارثة التي تضع مستقبل البلاد وثرواتها في مهب الريح؟ من الواضح أن الأجهزة المعنية، إن لم تكن شريكة في هذا الفساد، فإنها على الأقل تقف موقف المتفرج العاجز عن اتخاذ أي إجراءات فعلية لإصلاح الوضع.

وما يزيد الأمور سوءًا هو الصمت المريب الذي يحيط بالقضية برمتها، فلا أحد يتحدث عن الأسباب الحقيقية لتأجيل المحاكمة أو عن التداعيات المحتملة لبيع شركة “سنتامين” لشركة جديدة ذات صلات مشبوهة.

من الواضح أن هذا الملف لن يغلق بسهولة وأن الفساد داخل أجهزة الدولة المصرية يتجاوز مجرد قضية منجم السكري ليصل إلى مستويات أعمق وأخطر.

الشعب المصري يطالب بمحاسبة المسؤولين وبإعادة فتح القضية في أسرع وقت ممكن لكشف ملابسات التأجيل المشبوه واستعادة الحقوق المسلوبة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى