الأمن المصري يستخدم القمع والاعتقالات التعسفية لتهجير سكان جزيرة الوراق بالقوة
تقدمت أسر تسعة مواطنين من أهالي جزيرة الوراق ببلاغات عاجلة إلى النائب العام المصري ووزارة الداخلية، تشتكي من اختفاء أبنائها بعد أن قامت قوات الأمن باعتقالهم دون توجيه أي اتهامات رسمية لهم.
أهالي الوراق أعربوا عن قلقهم المتزايد على مصير أبنائهم الذين تم إخفاؤهم قسراً منذ تلك الاعتقالات، حيث لم يظهر أي منهم في أي قسم من أقسام الشرطة أو النيابات المختصة حتى الآن، مما يعكس حالة من التقاعس والتعتيم المتعمد من الحكومة المصرية على هذا الملف الإنساني الملتهب.
تشير الأسر في البلاغات إلى أن أبناءهم الذين تم اعتقالهم لم يرتكبوا أي جرم يستوجب احتجازهم، بل إن القوات الأمنية نفذت الاعتقالات بشكل تعسفي، بهدف الضغط عليهم لإخلاء الجزيرة تحت مسميات واهية لا علاقة لها بأي إجراءات قانونية سليمة.
توثيق الأسر لوقائع الاعتقالات يؤكد تورط الأجهزة الأمنية في إخفاء المعتقلين قسراً، في محاولة لتجنب أي محاسبة قانونية أو قضائية قد تتعرض لها الحكومة نتيجة لاعتقال مواطنين أبرياء.
هذه الأسر لم تكتفِ بتقديم البلاغات بل حملت الحكومة المصرية بأجهزتها المختلفة المسؤولية الكاملة عن حياة أبنائها، مشددة على أن هذه الاعتقالات لا تأتي إلا في إطار حملة واسعة النطاق تستهدف تهجير سكان الجزيرة قسراً.
تجدر الإشارة إلى أن جزيرة الوراق، الواقعة في قلب نهر النيل، تشهد منذ سنوات طويلة محاولات مستمرة من قبل الحكومة المصرية لإخلاء سكانها الأصليين، بحجة تنفيذ مشاريع تطويرية كبرى تمولها جهات خارجية مثل الإمارات.
في هذا السياق، اندلعت اشتباكات عنيفة مساء الثلاثاء بين قوات الأمن المصرية وأهالي جزيرة الوراق، وذلك بعد اعتقال عدد من الأهالي الذين كانوا يحتجون على الحصار المفروض على المعدية الرئيسية التي تربط الجزيرة بضاحية شبرا.
الحصار المفروض على المعدية يعد جزءاً من خطة ممنهجة لتضييق الخناق على أهالي الجزيرة، الذين يُجبرون على مغادرتها بالقوة.
في تلك الليلة، ردت قوات الأمن على الأهالي المحتجين باستخدام العنف المفرط، حيث أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والخرطوش لتفريق الجموع الغاضبة.
الأهالي، من جهتهم، لم يتراجعوا عن موقفهم بل تجمعوا بأعداد كبيرة، مرددين هتافات قوية تعبر عن استيائهم من الأوضاع المزرية التي يعيشونها.
من بين هذه الهتافات “علّي وعلّي وعلّي الصوت .. اللي بيهتف مش هايموت” و”اقتل واحد واحبس 100 .. الجزيرة مش تكية” في رسالة واضحة تؤكد إصرارهم على الدفاع عن حقوقهم والبقاء على أرضهم. وقد رددوا أيضاً هتافات مثل “سيبوا إخواتنا المحبوسين .. إحنا عليها ليوم الدين” و”علّي في سور السجن وعلّي .. بكرة الثورة تقوم ما تخلّي”، مما يعكس حجم الغضب المتنامي لدى الأهالي نتيجة القمع الأمني المستمر.
هذه الاشتباكات تأتي في سياق سلسلة من الانتهاكات التي يتعرض لها سكان جزيرة الوراق منذ سنوات، حيث تسعى السلطات المصرية لفرض سيطرتها الكاملة على الجزيرة وتحويلها إلى مشروع سكني فاخر بتمويل من دولة الإمارات.
الجزيرة التي تعتبر ملاذاً تاريخياً لسكانها الأصليين، أصبحت هدفاً لمشروع استثماري ضخم يهدف إلى تحويلها إلى منطقة سكنية فاخرة مخصصة للأثرياء، وهو ما يرفضه الأهالي الذين يعيشون على الجزيرة منذ أجيال.
النزاع القائم بين الحكومة والأهالي يدور حول نسبة 24% من إجمالي مساحة الجزيرة، حيث أعلنت وزارة الإسكان إخلاء نحو 993 فداناً من أصل 1295، بما يعادل 76% من إجمالي المساحة المزمع تطويرها.
ويُظهر المشروع السكني الفاخر، الذي تسعى الحكومة المصرية إلى تنفيذه على أرض الجزيرة، فساداً واضحاً في إدارة هذا الملف.
إذ أن الهدف الرئيسي ليس تحسين أوضاع سكان الجزيرة أو تطوير البنية التحتية للمنطقة، بل هو تحويلها إلى منطقة نخبوية تستقطب المستثمرين والطبقة الغنية، دون مراعاة حقوق السكان الأصليين.
الحكومة المصرية اختارت نهجاً يعتمد على استخدام القوة الأمنية والقمع المتواصل لتحقيق هذا الهدف، في الوقت الذي تعجز فيه عن تقديم حلول عادلة للأهالي الذين لا يرغبون في مغادرة منازلهم وأراضيهم.
تُظهر هذه الأحداث فشلاً ذريعا للحكومة المصرية في حماية حقوق مواطنيها وفساداً مستشرياً في إدارتها لهذا النزاع. حيث إن اعتقال أبناء الجزيرة ومحاولة إخفائهم قسراً دون توجيه أي اتهامات رسمية لهم يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون والدستور المصري، وهو ما يُعد دليلاً إضافياً على أن السلطة الحالية في مصر مستمرة في استخدام أساليب القمع والترهيب في سبيل تمرير مخططاتها الاقتصادية على حساب الفئات الأضعف في المجتمع.
وفي ظل هذه التطورات، يُطالب الأهالي والمجتمع المدني الحكومة المصرية بالتوقف فوراً عن استخدام أساليب القمع والترويع، وإطلاق سراح المعتقلين الذين تم احتجازهم بشكل غير قانوني.
كما يُطالبون بفتح تحقيقات نزيهة في قضايا الإخفاء القسري التي يتعرض لها سكان الجزيرة، ومحاسبة كل من تورط في هذه الانتهاكات سواء من الأجهزة الأمنية أو من المسؤولين الحكوميين.
الأهالي يصرون على البقاء في جزيرتهم والدفاع عن حقوقهم مهما كانت التحديات، مؤكدين أنهم لن يستسلموا لمحاولات التهجير القسري، في الوقت الذي تُظهر فيه الحكومة المصرية عجزها الواضح عن تقديم أي حلول حقيقية للنزاع القائم.