تقارير

تطور العلاقات المصرية التركية: من الخلافات إلى التعاون المشترك

شهدت العلاقات بين مصر وتركيا تطورًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، بعد سنوات طويلة من التوترات والخلافات التي كادت تصل إلى حد الصراع العسكري.

إلا أن الوضع تغير بشكل ملحوظ اليوم، حيث سعت الحكومتان إلى تحسين العلاقات بينهما، مع التركيز على التعاون في قضايا استراتيجية هامة، وخاصة في الشأن الأفريقي.

البداية: تطلعات تركيا بعد ثورة يناير

بعد ثورة 25 يناير 2011 في مصر، أبدت تركيا رغبة قوية في تعزيز علاقاتها مع مصر، خاصة بعد الإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك.

حيث كان الرئيس التركي آنذاك عبدالله غول أول زعيم أجنبي يزور القاهرة بعد التنحي، وأعلنت الحكومة التركية عن نيتها إقامة تحالف استراتيجي مع “مصر الجديدة”.

وفي فترة حكم الرئيس محمد مرسي، الذي كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بدأت العلاقات بين البلدين في التحسن، وشهدت زيارات متبادلة بين قادة البلدين، مع توقيع العديد من الاتفاقات لتوسيع التعاون في المجالات العسكرية والاقتصادية.

التدهور بعد 30 يونيو

لكن الأمور تغيرت جذريًا بعد الإطاحة بمرسي في 30 يونيو 2013. فقد كانت تركيا، بقيادة إردوغان، من أولى الدول التي عارضت الإطاحة بمرسي، مما أدى إلى توتر العلاقات بشكل كبير.

ووصفت وسائل الإعلام التركية الحكومة المصرية بأنها “انقلابية”، وأيدت جماعة الإخوان المسلمين بشكل غير مباشر من خلال منح اللجوء لعناصرها.

وفي رد فعل على الموقف التركي، قامت مصر بطرد السفير التركي وتخفيض مستوى العلاقات، ما أدى إلى تدهور الوضع بشكل أكبر، وتضرر العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تم إلغاء اتفاقيات تجارية كانت مفيدة للطرفين.

التوترات الإقليمية: ليبيا نموذجًا

كانت ليبيا أحد أبرز الملفات التي ساهمت في تصعيد التوتر بين مصر وتركيا.

ففي عام 2019، عندما أطلق الجنرال خليفة حفتر هجومًا واسعًا على العاصمة طرابلس، تدخلت تركيا عسكريًا لصالح حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة.

في المقابل، دعمت مصر القوات الموالية لحفتر، مما دفع البلدين إلى حافة الصراع العسكري في ليبيا.

التهديدات المصرية بالتدخل العسكري في ليبيا، إلى جانب الدعم التركي لحكومة الوفاق، جعل الوضع الإقليمي في ليبيا محورًا رئيسيًا للخلاف بين القاهرة وأنقرة.

ومع ذلك، بدأ الجانبان في إجراء محادثات غير مباشرة من خلال القنوات الاستخباراتية في محاولة لاحتواء الأزمة وتخفيف حدة التوترات.

البداية في التهدئة: 2021 وما بعدها

في 2021، بدأت العلاقات بين مصر وتركيا تشهد تحولًا بعد سلسلة من المبادرات من قبل أنقرة لتحسين العلاقات. حيث أوقفت تركيا دعمها لجماعة الإخوان المسلمين في محاولة لتهدئة الموقف في مصر.

كما بدأ البلدان في التباحث حول القضايا الإقليمية من خلال الاجتماعات الدبلوماسية بين نائبي وزيري الخارجية، مما فتح الطريق أمام اتفاقات محتملة في مجالات مختلفة.

وفي نوفمبر 2022، اجتمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب إردوغان على هامش كأس العالم في قطر، في خطوة وصفها كثيرون بأنها بداية لعهد جديد من التعاون بين البلدين بعد سنوات من القطيعة.

التحديات المستمرة: الملفات الشائكة

رغم التحسن الملحوظ في العلاقات، فإن هناك العديد من الملفات الشائكة التي قد تعرقل استمرار هذا التحسن.

أبرز هذه الملفات هو النزاع حول الوضع في ليبيا، حيث لا يزال البلدين يدعمان أطرافًا متعارضة في الصراع الليبي.

كما تظل الخلافات حول التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط والملف السوداني من القضايا التي تحتاج إلى تسوية لتوسيع التعاون بين الطرفين.

لكن على الرغم من هذه التحديات، فإن العوامل الاقتصادية تُعد دافعًا قويًا للطرفين لتحسين علاقاتهما.

فتركيا، التي تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة، تأمل في تعزيز التعاون التجاري مع مصر، فيما تحتاج مصر إلى الاستثمار في قطاعات مختلفة لتنشيط اقتصادها.

الآفاق المستقبلية: فرص وتحديات

يتفق العديد من الخبراء على أن العلاقات بين مصر وتركيا قد تشهد تحسنًا مستمرًا، خاصة في مجالات مثل التجارة والطاقة والأمن الإقليمي.

إلا أن التحديات الكبرى، مثل القضية الليبية، قد تقف في طريق هذا التحسن إذا لم يتم التوصل إلى حلول توافقية.

ويشير المحللون إلى أن تركيا قد تكون مستعدة للابتعاد عن دعم جماعة الإخوان المسلمين ومواصلة سياسة “الدبلوماسية البراجماتية” في محاولة لتعزيز التعاون مع مصر والدول العربية الأخرى.

في المقابل، تبقى مصر مترددة في قبول بعض المواقف التركية بشأن القضايا الإقليمية، ما يجعل الطريق أمام المصالحة طويلًا ومعقدًا.

على الرغم من التحديات الكبيرة التي لا تزال قائمة بين مصر وتركيا، فإن الانفتاح الذي أبدته تركيا في الآونة الأخيرة وتخفيف التوترات في ملفات مثل ليبيا قد يؤدي إلى توثيق العلاقات بين البلدين في المستقبل.

ومع التغييرات التي شهدها كلا البلدين في السنوات الأخيرة، فإن فرص التعاون في قضايا استراتيجية قد تكون أكثر من فرص الخلاف، ما يمهد الطريق لمرحلة جديدة في العلاقات المصرية التركية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى