تقاريررياضة

موت يتكرر في الملاعب: شبح توقف القلب يهدد حياة الرياضيين بمصر

تتوالى الحوادث المأساوية التي تروع الوسط الرياضي المصري، وتكشف عن الإهمال الصارخ في معالجة أزمات الصحة الرياضية.

آخر هذه الحوادث المفجعة هي وفاة اللاعب الشاب محمد شوقي من نادي كفر الشيخ، إثر سقوطه مغشياً عليه في أرض الملعب نتيجة “بلع لسانه” خلال مباراة فريقه في دوري القسم الثاني ضد فريق القزازين.

لم تكن هذه المأساة الأولى، ولن تكون الأخيرة في ظل تقاعس الدولة المصرية، وغياب الإجراءات الصحية الضرورية التي قد تضمن سلامة اللاعبين.

المشهد المؤلم الذي حدث أمام الجميع يعكس تجاهلاً حكومياً مريعاً للأوضاع الصحية في الملاعب، حيث تُترك حياة اللاعبين بين أيدي الصدفة، دون أدنى اهتمام بالسلامة العامة.

الحادثة سلطت الضوء على حالة من الانهيار الواضح في تجهيزات الملاعب والإسعافات الأولية، فبدلاً من حماية حياة الرياضيين، يجد اللاعبون أنفسهم ضحية إهمال لا يغتفر.

إهمال الإسعاف: لحظات مروعة تهز الوسط الرياضي

في الدقيقة 58 من المباراة، سقط محمد شوقي مغشياً عليه في مشهد أصاب الجميع بالذهول والرعب. لم يكن هناك تدخل طبي سريع لإنقاذ اللاعب، حيث كانت التجهيزات الطبية شديدة القصور. تم استدعاء سيارة الإسعاف على الفور، إلا أن المفاجأة الكبرى كانت في إعلان أحد المرافقين وفاة اللاعب وهو في طريقه إلى المستشفى، حيث فشلت المحاولات الأولية لإفاقته. تلك اللحظات كانت كفيلة بتأجيج غضب الجمهور والمتابعين، وفضحت بشكل كامل غياب الاستعدادات اللازمة لمثل هذه الحوادث الطارئة في الملاعب المصرية.

محاولات يائسة لإنقاذ حياة ضائعة

وصل محمد شوقي إلى مستشفى الزرقا المركزي، حيث حاول الأطباء لمدة 45 دقيقة استخدام الصدمات الكهربائية لإنعاش قلبه. ورغم عودة نبضه مؤقتاً، إلا أن قلبه توقف مرة أخرى، مما أدى في النهاية إلى وفاته بعد عدة أيام. هل كان من الممكن إنقاذ حياته إذا توفرت رعاية صحية أفضل في الملعب؟ الإجابة البديهية هي نعم، فالتباطؤ والإهمال الواضح في إجراءات الإسعاف أضاع فرصاً ذهبية لإنقاذ حياة شاب في مقتبل عمره.

إلغاء المباراة ولكن إلى أين؟

مع تدهور حالة اللاعب، قرر حكم المباراة إيقافها في الدقيقة 80. لكن قرار الإيقاف جاء بعد فوات الأوان، حيث توفى اللاعب بعد معاناة مريرة. تصرفات بطيئة وقرارات ارتجالية تعكس غياب التخطيط والرؤية لدى الجهات المعنية، التي وقفت عاجزة، غير قادرة على تدارك الموقف. هذا الحادث يدق ناقوس الخطر، ويطرح تساؤلات مريرة حول مدى جاهزية المسؤولين عن إدارة المباريات للتعامل مع الأزمات الصحية المفاجئة.

غياب الفحوصات الطبية: جريمة بحق اللاعبين

تشير التقارير الطبية إلى أن محمد شوقي كان يعاني من جلطة في القلب، وهي حالة تستدعي فحوصات دورية دقيقة لتفادي مثل هذه الحوادث. ولكن يبدو أن الدولة لا تعير اهتماماً كافياً لصحة اللاعبين، إذ أن الفحص الطبي الشامل للرياضيين يكاد يكون منعدماً، خاصةً في الأندية التي تلعب في الدرجات الدنيا. الدكتور أحمد حسن، خبير في علوم الصحة الرياضية، أوضح أن غياب الفحوصات المنتظمة للقلب يشكل تهديداً مباشراً على حياة اللاعبين، مشيراً إلى أن العديد من اللاعبين يحملون أمراضاً قلبية خفية منذ الطفولة، مثل الحمى الروماتيزمية، التي قد تؤدي إلى الموت المفاجئ خلال المجهود البدني المكثف.

ما يحدث في الملاعب المصرية ليس حادثاً فردياً أو استثناءً، بل هو نمط متكرر من الإهمال والتقصير. الحكومة المصرية تتجاهل بشكل صارخ التوصيات العالمية التي تفرض على الرياضيين إجراء فحوصات دورية لصحة القلب، وهو ما يؤدي إلى وقوع الحوادث المأساوية بشكل متكرر.

ملاعب غير صالحة للاستخدام الآدمي: القتل العمد للاعبين

تزداد الكارثة فداحة عندما نتطرق إلى حالة الملاعب في مصر، خاصة تلك التي تحتوي على النجيل الصناعي، الذي يفاقم من إصابات اللاعبين ويؤدي إلى حوادث كارثية. خبراء الإصابات الرياضية يحذرون من أن هذه الملاعب تساهم في زيادة نسب الإصابات، خاصةً في الركبة، مما يعرض اللاعبين لمخاطر صحية كبيرة. ورغم هذه التحذيرات، تقف الحكومة المصرية عاجزة، غير قادرة أو غير راغبة في تطوير البنية التحتية الرياضية بما يضمن سلامة اللاعبين. هل من المقبول أن تتحول الملاعب الرياضية إلى ساحة موت؟ أم أن أرواح اللاعبين لا قيمة لها في ظل غياب الضمير والإرادة السياسية؟

وزارة الشباب والرياضة: مؤامرة صمت وتواطؤ مع الإهمال

الإهمال الذي طال الأندية واللاعبين في الدرجات الأدنى من الدوري المصري يكشف عن فساد مستشرٍ داخل أروقة وزارة الشباب والرياضة. فقد تحولت الوزارة إلى كيان استثماري يسعى لتحقيق الأرباح من خلال استغلال المرافق الرياضية، بينما يتم تجاهل الأزمات الصحية المتكررة التي تفتك بحياة اللاعبين. ارتفاع أسعار استئجار الملاعب، والإهمال المستمر في تجهيزها بشكل مناسب، والاعتماد على المدربين الأجانب برواتب باهظة، كلها مؤشرات واضحة على أن الوزارة تعيش في عالم آخر، غير معنية بحماية اللاعبين أو تطوير الرياضة في البلاد.

الوزارة التي من المفترض أن تكون حامية للشباب الرياضيين، تحولت إلى عبء إضافي على كاهلهم، فبدلاً من تسخير إمكانياتها لتحسين البنية التحتية الرياضية، تلهث وراء استثمارات زائفة، بينما تترك اللاعبين يواجهون الموت البطيء على أرض الملاعب غير المجهزة.

استمرار الكارثة: إلى متى هذا الإهمال؟

محمد شوقي لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فالحوادث الرياضية المأساوية تتكرر بشكل مثير للقلق في مصر، وآخرها حادث وفاة لاعب نادى السكة الحديد عام 2021، ولاعب نادى دكرنس السابق حامد مهدي عام 2017، وغيرهم ممن فقدوا حياتهم بسبب غياب الرعاية الصحية الأساسية. كل هذا يحدث في ظل غياب تام للمساءلة، وكأن حياة اللاعبين لا تعني شيئاً لمن بيدهم السلطة.

إذا استمرت الحكومة المصرية في تجاهل هذه الكوارث المتكررة، فإن المزيد من اللاعبين سيواجهون المصير ذاته. المسؤولية تقع على عاتق الدولة بكافة مؤسساتها، التي يجب أن تتحرك فوراً لاتخاذ إجراءات ملموسة لحماية حياة الرياضيين، بدءًا من تطوير الملاعب وتوفير فحوصات طبية دورية، وصولاً إلى تجهيز فرق طبية متخصصة قادرة على التدخل الفوري في الحالات الطارئة.

إلى متى ستستمر أرواح اللاعبين في التساقط؟ وهل ستظل الحكومة المصرية مكتوفة الأيدي أمام هذه الكارثة المستمرة؟

الأمر يتطلب تحقيقاً شاملاً في الأسباب الحقيقية وراء هذه الحوادث، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الإهمال المستمر الذي يدمر حياة اللاعبين، ويهدد مستقبل الرياضة المصرية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button