مجلس الشيوخ الأمريكي يرفض وقف بيع الأسلحة لإسرائيل رغم انتهاكات حقوق الإنسان
في تصويت تاريخي له تداعيات لا تقتصر على السياسة الأمريكية فقط بل تتعداها إلى منطقة الشرق الأوسط، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي رفض ثلاثة قرارات تقدم بها السيناتور بيرني ساندرز، كانت تهدف إلى وقف توريد أسلحة أمريكية إلى إسرائيل.
تصويت غير مفاجئ من مجلس الشيوخ الذي صوت فيه 79 من أصل 100 عضو ضد منع بيع الأسلحة بما في ذلك قذائف الدبابات وقذائف الهاون والذخائر الهجومية الموجهة إلى إسرائيل،
بينما أيد القرار 18 عضوًا فقط، في مشهد يعكس استمرار الدعم غير المحدود لإسرائيل، رغم الانتقادات المستمرة من قبل الحركات الحقوقية والأصوات المتزايدة في الداخل الأمريكي.
القرارات التي تقدمت بها مجموعة من التقدميين وعلى رأسهم السيناتور بيرني ساندرز كانت بمثابة محاولة للضغط على الحكومة الأمريكية لتغيير موقفها في ظل الانتهاكات المستمرة التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، وأثارت هذه القرارات جدلاً واسعًا في واشنطن بين مؤيد ومعارض.
في النهاية، لم تتمكن هذه القرارات من الحصول على التأييد الكافي لتغيير سياسة الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، في وقت تمر فيه غزة بأسوأ أزماتها الإنسانية.
دور بيرني ساندرز في معركة الرفض
السيناتور بيرني ساندرز، الذي يُعد من أبرز الأصوات التقدمية في السياسة الأمريكية، كان قد قدم ستة قرارات تهدف إلى وقف توريد الأسلحة لإسرائيل، والتي قدرت قيمتها بحوالي 20 مليار دولار، وذلك في خطوة غير مسبوقة من جانب أعضاء في الكونجرس الذين كانوا يراهنون على التأثير الشعبي القوي لدعوات وقف الانتهاكات بحق الفلسطينيين.
لكن في نهاية المطاف، لم يتمكن من المضي قدمًا سوى بثلاثة قرارات تم التصويت عليها، وهو ما يعكس استحالة تمرير قرارات من هذا النوع في بيئة سياسية حيث يحظى الدعم الثنائي الحزبي لإسرائيل بتاريخ طويل من الإجماع بين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.
وبينما كان ساندرز ومن معه يأملون في أن يكون التصويت بمثابة رسالة قوية إلى الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الدولي بأن الولايات المتحدة لا يمكنها الاستمرار في تزويد إسرائيل بأسلحة تُستخدم في انتهاك حقوق الإنسان، فقد أُحبطت هذه المحاولة بشكل واضح.
إدارة بايدن وحجج الدعم العسكري المستمر
وفي مواجهة هذه القرارات، وقف البيت الأبيض بصلابة دفاعًا عن سياساته تجاه إسرائيل، مؤكدًا أن توفير الأسلحة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية ليس مجرد مسألة دعم حليف استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، بل هو “استثمار” طويل الأمد في أمن إسرائيل في مواجهة التهديدات المتزايدة من إيران وحلفائها في المنطقة. وبذلك استمر دعم إدارة بايدن لسياسة تسليح إسرائيل حتى في ظل الضغوط المستمرة من الداخل الأمريكي والخارج.
بينما كانت عيون العالم تتجه نحو غزة، التي شهدت تدهورًا غير مسبوق في الوضع الإنساني مع تصاعد وتيرة الهجمات الإسرائيلية، فإن إدارة بايدن أكدت أنها “تعمل بشكل مستمر” لتحسين الظروف الإنسانية في القطاع، وهو ما بدا غير متسق مع استمرار الدعم العسكري اللامحدود لإسرائيل في الوقت الذي يعاني فيه المدنيون الفلسطينيون من تبعات العدوان المستمر.
الولايات المتحدة وحقوق الإنسان .. تناقض صارخ
في الوقت الذي تم فيه تأكيد دعم عسكري أمريكي غير مشروط لإسرائيل، تساءل السيناتور ساندرز وعدد من زملائه عن التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان وعن المعايير التي تتبعها الإدارة الأمريكية في اتخاذ قراراتها المتعلقة بتزويد إسرائيل بهذه الأسلحة.
فقد اعتبر ساندرز أن استمرار تدفق الأسلحة إلى إسرائيل يتعارض مع القوانين الأمريكية التي تحظر بيع الأسلحة إلى الدول التي تنتهك حقوق الإنسان، مشيرًا إلى مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال وكبار السن.
وتحت قبة الكونجرس، شدد ساندرز في خطابه قبل التصويت على ضرورة أن تُسحب الأسلحة الأمريكية من الصراع في غزة، قائلاً: “لقد حان الوقت لإخبار حكومة نتنياهو أنهم لا يستطيعون استخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكيين وأسلحتنا في انتهاك للقانون الأمريكي والدولي”.
كان هذا التصريح بمثابة دعوة لتحميل المسؤولية للإدارة الأمريكية عن مواقفها السلبية تجاه حقوق الفلسطينيين، وهو ما دفع العديد من المناصرين لحقوق الإنسان إلى التساؤل حول المسؤولية الأخلاقية والإنسانية لهذه السياسة.
التوقيت والتحديات الأمنية لإسرائيل
على الرغم من التصويت الواسع ضد القرارات، فإن توقيت هذا التصويت جاء في ظل تصاعد التهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل من قبل حركات مثل حماس وحزب الله بالإضافة إلى إيران، ما جعل الكثير من المعارضين لهذه القرارات في الكونجرس يعتبرون أن المضي قدمًا في مثل هذه القرارات في هذا التوقيت هو أمر غير مناسب ولا يتماشى مع التحديات التي تمر بها إسرائيل.
في هذا السياق، أصر زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر على أن إسرائيل تواجه تهديدات وجودية من أعدائها، ما جعل العديد من السياسيين يضعون أمن إسرائيل فوق أي اعتبار آخر.
فرصة أخيرة قبل التغيير السياسي في البيت الأبيض
وربما كان هذا التصويت بمثابة فرصة أخيرة قبل أن يستلم الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب منصبه في يناير المقبل، حيث يُتوقع أن يكون لديه موقف أكثر تشددًا في دعم إسرائيل، وهو ما قد يعني تفاقم الوضع العسكري في غزة بشكل أكبر.
القرار الذي اتخذته أغلبية مجلس الشيوخ هو بمثابة تجديد للالتزام الأمريكي التقليدي بسياسة دعم إسرائيل، وهو ما يعكس استمرارية المواقف التي لا تعير اهتمامًا كبيرًا للنداءات المتزايدة من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بوقف الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل في ظل الانتهاكات التي تطال الشعب الفلسطيني في غزة.