تقاريرمصر

عجز الأخصائيين والمديرين يهدد التعليم ويزيد مخاطر العنف في المدارس

تعيش المدارس في مختلف المحافظات المصرية أزمة حقيقية تتمثل في العجز الواضح في أعداد الأخصائيين والمديرين، وهو ما يهدد بنسف جهود تحسين التعليم في البلاد إذ تشير التقارير إلى أن نسبة العجز في مديري المدارس تصل إلى 50%،

كما أن عدد الأخصائيين في جميع التخصصات لا يتجاوز 135 ألفًا فقط، وهو رقم بعيد تمامًا عن تلبية احتياجات النظام التعليمي المتزايدة مع تضاعف أعداد الطلاب وتنوع احتياجاتهم مما يؤدي إلى عجز واضح في تقديم الرعاية والدعم النفسي والتربوي للطلاب على النحو المطلوب.

هذا النقص الحاد يعكس الفجوة الكبيرة بين الواقع التعليمي في مصر والطموحات المرجوة من إصلاحات المنظومة التعليمية إذ تعاني المدارس بشكل كبير من غياب الكوادر المتخصصة التي تساهم في استقرار العملية التعليمية وضمان بيئة صحية وآمنة للطلاب

فعلى الرغم من الحديث المستمر عن تطوير التعليم وتعزيز دور الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين داخل المدارس إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك، حيث أن المدارس لا تجد ما يكفي من الأخصائيين المؤهلين لتغطية الاحتياجات الأساسية مما يترك فراغًا كبيرًا في متابعة قضايا الطلاب ومشاكلهم.

ولعل الأخطر من ذلك هو أن هذا العجز لا يقتصر على الأخصائيين والمديرين فقط بل يمتد إلى غياب ملف الانضباط المدرسي الذي من المفترض أن يتواجد لدى وزارة التربية والتعليم لكل مدرسة على حدة لمتابعة مستويات الانضباط والسلوكيات اليومية داخل المدارس

ويمثل هذا الملف خطوة جوهرية لتدارك مشكلات العنف التي تزايدت في الآونة الأخيرة داخل المدارس حيث تؤكد وزارة التربية والتعليم أنها تدرك حجم ما يتردد حول انتشار ظاهرة العنف في المدارس إلا أنها حتى الآن لم تتخذ الإجراءات الكافية للحد من تلك الظاهرة الخطيرة.

وفي ظل هذا الوضع المتردي من الضروري على وزارة التربية والتعليم أن تبدأ على الفور في تنفيذ المبادرة الرئاسية التي تهدف إلى تنظيم مسابقات لتعيين المدرسين الجدد وسد الفجوات في أعداد الأخصائيين والمديرين إذ أن الاستمرار في تجاهل هذا النقص الحاد يعني ترك المدارس عرضة لمزيد من الأزمات والمشاكل فعدم وجود كوادر كافية ومدربة داخل المدارس يعزز من انتشار ظواهر سلبية كالعنف والتسرب الدراسي وعدم استقرار البيئة التعليمية.

ومن المهم جدًا أن يكون هناك توجه واضح وحازم لمعالجة ظاهرة العنف التي أصبحت متفشية في العديد من المدارس إذ من حق كل طالب أن يشعر بالأمان داخل مدرسته وأن يكون قادرًا على التبليغ عن أي حادث عنف قد يتعرض له سواء كان هذا العنف جسديًا أو نفسيًا أو حتى جنسيًا لكن على الرغم من النصوص الواضحة في لائحة الانضباط المدرسي التي توضح المخالفات وتضع لكل مخالفة درجة وعقوبة إلا أنها تفتقر إلى تحديد العقوبات المفروضة على المعلمين أو المدرسين الذين يتورطون في أعمال عنف تجاه الطلاب وهو ما يعزز الشعور بعدم المساواة بين الطلاب والمعلمين في التعامل مع قضايا العنف داخل المدارس.

اللائحة الحالية بحاجة ماسة إلى إعادة نظر وإضافة بند صريح يتناول بوضوح سلوكيات العنف التي قد تصدر من المعلمين تجاه الطلاب وكيفية التعامل معها إذ أن العنف لا يمكن أن يتم حصره فقط في تصرفات الطلاب تجاه بعضهم البعض بل يمتد ليشمل كل سلوك غير مرغوب فيه يصدر من أي فرد داخل المؤسسة التعليمية سواء كان طالبًا أو معلمًا أو حتى من إداريين وفنيين يجب أن تكون المدارس مؤسسات آمنة تمامًا يتوفر فيها الأمان النفسي والجسدي لكل طالب وطالبة بعيدًا عن أي ممارسات عنيفة قد تؤثر سلبًا على التحصيل الدراسي والصحة النفسية للطلاب.

العنف المدرسي كما تُعرفه الوثائق الدولية يشمل أي سلوك جسدي أو نفسي أو جنسي غير مرغوب فيه يصدر تجاه الطالب ويمتد هذا التعريف ليشمل أيضًا الإهمال في تقديم التعليم المناسب وهو شكل آخر من أشكال العنف التي قد لا تظهر بوضوح لكنها تؤثر بشكل عميق على مستقبل الطفل وتطوره العقلي والنفسي وهذا ما يتطلب وجود أخصائيين نفسيين واجتماعيين بشكل دائم داخل المدارس ليس فقط لمعالجة المشاكل بعد وقوعها بل للتدخل المبكر والوقاية من انتشار أي ظواهر سلبية.

ولا يمكن تجاهل أن تعريف العنف داخل المدارس يحتاج إلى مزيد من التوضيح ليس فقط من الناحية النظرية بل من خلال وضع آليات واضحة وعملية يمكن تطبيقها على أرض الواقع فعلى سبيل المثال يجب أن تتضمن اللوائح تعريفًا دقيقًا لكل نوع من أنواع العنف وكيفية التعامل معه بشكل سريع وفعال كما أن وجود الأخصائيين المؤهلين الذين يتعاملون مع هذه الحالات بشكل احترافي سيكون له دور محوري في التقليل من تفشي العنف وتوفير بيئة تعليمية صحية ومستقرة.

الآن وبعد أن أصبح العنف المدرسي ظاهرة مؤرقة ومقلقة للأسر والطلاب على حد سواء على وزارة التربية والتعليم أن تتحمل مسؤولياتها وتبدأ باتخاذ خطوات عملية لإصلاح هذه الأوضاع قبل أن تتفاقم الأمور أكثر وتجتاح الفوضى كافة المؤسسات التعليمية فالتساهل في التعامل مع هذه الأزمات يعني تعريض الأجيال القادمة لمستقبل مجهول

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى