أنهى فريق صندوق النقد الدولي زيارته إلى مصر مؤخراً دون الوصول إلى اتفاق نهائي بشأن المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه بين مصر والصندوق منذ عام 2016، حيث كانت هذه المراجعة تُعدّ أساسية لصرف الشريحة القادمة من القرض الذي بلغت قيمته الإجمالية 12 مليار دولار.
ومع انتهاء الزيارة أشار صندوق النقد إلى استمرار المناقشات خلال الأيام القادمة من أجل إتمام المراجعة، لكن التقرير الرسمي الصادر عن الصندوق أوضح أن هناك فجوة كبيرة بين وعود الحكومة المصرية والتزاماتها الفعلية فيما يتعلق بتطبيق الإصلاحات الاقتصادية الضرورية لتحقيق الاستقرار المالي للبلاد
صرح مسؤولون في صندوق النقد الدولي أن البنك المركزي المصري أكد التزامه بالحفاظ على نظام سعر الصرف المرن كجزء أساسي من الإصلاحات، ومع ذلك فقد أعربوا عن قلقهم من التدخلات غير المعلنة في سوق العملات التي تقوم بها الحكومة المصرية والتي تتناقض مع السياسات المعلنة، هذا الأمر ينعكس سلبًا على ثقة المستثمرين ويزيد من عدم استقرار السوق المالي،
حيث أشار التقرير إلى أن مصر تواجه ضغوطًا كبيرة بسبب تراجع الاحتياطيات الأجنبية وارتفاع الديون الخارجية، التي بلغت حتى منتصف العام الحالي نحو 165.4 مليار دولار
وأشار صندوق النقد الدولي إلى أنه على الرغم من أن البنك المركزي المصري أعلن مراراً عن التزامه بنظام سعر الصرف المرن إلا أن هناك دلائل على تدخلات متكررة لدعم الجنيه في السوق السوداء حيث يتجاوز السعر الرسمي للعملة المصرية مستويات غير واقعية، هذا النهج يعرقل جهود تحرير سعر الصرف ويضر بمصداقية السياسة النقدية، وبالتالي يحد من قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية أو تحقيق الاستقرار المالي المطلوب للنمو الاقتصادي
فيما يتعلق بالإصلاحات الضريبية، أشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن هناك اتفاقاً مع الحكومة المصرية حول هذه الإصلاحات لكن الحكومة تتبنى نهجاً غير شفاف في تنفيذ هذه التغييرات حيث كان الاتفاق ينص على خفض الإعفاءات الضريبية بدلاً من زيادة معدلات الضريبة، إلا أن الحكومة المصرية لم تقم بخطوات فعلية ملموسة في هذا الصدد، هذا التباطؤ في تنفيذ الإصلاحات الضريبية يعكس تقاعساً حكومياً واضحاً تجاه التزاماتها أمام صندوق النقد الدولي وأمام الشعب المصري الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة
رغم الوعود التي أطلقتها الحكومة بشأن التزامها بخفض الإنفاق العام وزيادة الإيرادات إلا أن الأرقام الفعلية لا تعكس هذا الالتزام فقد ارتفعت الديون الداخلية لتصل إلى 7 تريليون جنيه مصري بينما كانت النسبة المستهدفة أقل من ذلك بكثير، وازداد عجز الموازنة ليصل إلى 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية الماضية، وهو ما يتجاوز الأهداف التي وضعتها الحكومة بالتعاون مع صندوق النقد، هذه المؤشرات تثير تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في اتخاذ خطوات حاسمة لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار
من جانبه أشار مسؤول في الصندوق إلى أن تحقيق استقرار مالي في مصر يتطلب إصلاحات هيكلية عاجلة وشاملة تشمل تعزيز الشفافية في السياسات الحكومية ومكافحة الفساد المالي والإداري الذي أصبح يشكل عائقاً كبيراً أمام تحقيق النمو الاقتصادي، فقد أظهرت تقارير دولية متعددة أن مصر لا تزال تعاني من مستويات عالية من الفساد في العديد من القطاعات الحيوية، مما يفاقم من حجم الأزمات الاقتصادية ويضعف من قدرة الدولة على إدارة الموارد بشكل فعال
وفي سياق متصل، ذكر التقرير أن صندوق النقد يضغط على الحكومة المصرية من أجل تبني سياسة مالية أكثر انضباطاً ترتكز على تقليل الدعم الحكومي للعديد من القطاعات وزيادة الإيرادات من خلال توسيع قاعدة الضرائب، إلا أن الحكومة تماطل في تنفيذ هذه الإصلاحات خشية حدوث اضطرابات اجتماعية في ظل تصاعد حدة الغضب الشعبي نتيجة التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات، حيث وصل معدل التضخم السنوي إلى 38%، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً للحكومة التي تجد نفسها عاجزة عن التحكم في الأسعار بسبب فقدانها السيطرة على سعر الصرف وارتفاع تكلفة الواردات
ورغم محاولات الحكومة المصرية طمأنة الشارع المصري بتصريحات رسمية متكررة حول قرب انتهاء الأزمة الاقتصادية وتحقيق انتعاش اقتصادي خلال الفترة المقبلة إلا أن الأوضاع على الأرض تشير إلى عكس ذلك تماماً حيث يعاني المواطن المصري من أوضاع معيشية صعبة، وسط تراجع القدرة الشرائية وتآكل الأجور بفعل ارتفاع الأسعار، وقد انعكست هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية على كافة مناحي الحياة اليومية في مصر، حيث ارتفعت معدلات البطالة والفقر لتصل إلى مستويات غير مسبوقة وفقاً لتقارير رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
الفساد الحكومي وسوء الإدارة الاقتصادية لا يقتصران فقط على تأخر تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد بل يمتدان إلى كافة جوانب العمل الحكومي في مصر حيث تحدثت تقارير دولية عن وجود مخالفات مالية في تنفيذ عدد من المشاريع القومية الكبرى التي كانت الحكومة تعول عليها لتحسين الوضع الاقتصادي إلا أن هذه المشاريع تحولت إلى عبء مالي على الدولة نتيجة لغياب التخطيط الجيد وسوء إدارة الموارد، وهذا الأمر يعزز من الفجوة بين الحكومة والمواطنين ويزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية
وقد خلص تقرير صندوق النقد إلى أن الحكومة المصرية ما زالت بعيدة عن تنفيذ الإصلاحات الضرورية لتحقيق الاستقرار المالي، وأشار إلى أن استمرار الأزمة الاقتصادية في مصر يعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات شجاعة لتنفيذ إصلاحات جذرية ومكافحة الفساد المالي والإداري، وهو الأمر الذي لم يظهر حتى الآن على أرض الواقع حيث تظل الوعود الحكومية مجرد تصريحات إعلامية لا تجد طريقها للتنفيذ الفعلي، ما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي ويجعل الخروج من الأزمة أكثر صعوبة