الوادي الجديد عاصمة الثقافة المصرية: إعلان فارغ أم تقاعس ممنهج من وزارة الثقافة
تسعى وزارة الثقافة المصرية، عبر العديد من المبادرات الاستراتيجية، إلى تعزيز مفاهيم مثل “العدالة الثقافية” و”لامركزية الثقافة”، وهي شعارات تُروج في كل مناسبة، لكن الحقيقة على الأرض تبدو مغايرة تمامًا.
حيث تم الإعلان عن تخصيص عام كامل من نوفمبر 2023 إلى نوفمبر 2024 لتكون محافظة الوادي الجديد “عاصمة للثقافة المصرية”.
ولكن بعد مرور أشهر من هذا الإعلان، لا شيء يُذكر من أنشطة ثقافية حقيقية، مما يثير العديد من التساؤلات حول جدوى هذا الإعلان والآلية التي اتبعتها الوزارة في اختياره.
كان من المتوقع أن يشهد الوادي الجديد، في إطار هذا الإعلان، زخماً كبيرًا من الفعاليات الثقافية المركزية التي من المفترض أن تنظمها وزارة الثقافة أو الهيئة العامة لقصور الثقافة، إلا أن الواقع يشير إلى غياب تام لهذه الأنشطة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كانت عملية اختيار الوادي الجديد عشوائية أم أن هناك تخطيطًا مسبقًا لذلك؟ ولماذا لم يتم إطلاق أي أنشطة ثقافية تُذكَر حتى الآن؟
من المفارقات اللافتة أن المال العام تم إنفاقه على هذا الإعلان المثير، بينما لم يشهد الواقع أي تغيير ملموس على صعيد الحركة الثقافية في الوادي الجديد.
هذه الأموال كانت مُوجهة من أجل إنفاق مئات الآلاف من الجنيهات، لكنها لم تُسهم في تحريك أي شيء إيجابي على مستوى الثقافة أو الأدب، بل غابت الفعاليات التي كان من المفترض أن تكون جزءًا أساسيًا من إعلان الوزارة.
بدلاً من أن يتم استثمار هذه الأموال في بناء أو تطوير الفعل الثقافي في المحافظة، أصبح من الواضح أن هذا الإعلان لم يكن سوى استهلاك دعائي لا يقدم أي فائدة للمجتمع أو الاقتصاد المحلي.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن هيئة قصور الثقافة أعلنت أن الوادي الجديد ستكون محظوظة بالأنشطة والفعاليات الثقافية طوال عام كامل، لكن الواقع يقول غير ذلك.
لم تُنفذ أي أنشطة ثقافية تذكر حتى الآن، فما السبب الحقيقي وراء هذا الفشل؟ وهل كان هذا الإعلان مخططًا له على أساس استهلاكي فقط، أم أن هناك تهاونًا متعمدًا من المسؤولين الذين لم يلتزموا بوعدهم؟
في ظل هذا التراجع، يصبح السؤال الأهم: من يتحمل مسؤولية هذا الإعلان المضلل الذي عرض وزارة الثقافة للإحراج أمام الرأي العام؟
هل الوزارة هي المسؤولة عن هذا التقاعس، أم أن الهيئة العامة لقصور الثقافة هي التي فشلت في تنفيذ خطة واضحة لتفعيل الأنشطة الثقافية في الوادي الجديد؟
ولماذا لم يتم التخطيط الجيد قبل الإعلان عن الوادي الجديد كمحور ثقافي؟ كان من الأجدر أن يتم تحديد أولويات الأنشطة الثقافية بما يتماشى مع احتياجات المحافظة بدلاً من هذا الخواء الثقافي الذي نشهده اليوم. وكأن الإعلان عن الوادي الجديد كان مجرد حملة إعلامية روجت لوعود كاذبة لم تتحقق أبدًا.
أما السؤال الذي يجب أن يُطرح بشدة: لماذا لم تتابع وسائل الإعلام هذا الفشل وتتناوله بالنقد والتحليل؟ لماذا غاب النقاش الموضوعي حول هذا التقاعس الذي يضر بصورة وزارة الثقافة ويؤثر على الواقع الثقافي في مصر؟ كانت هذه فرصة للصحافة والإعلام لدور فاعل في محاسبة المسؤولين عن هذا الفشل، لكنهم بدلاً من ذلك تجاهلوا الموضوع كأن شيئًا لم يكن.
وعلاوة على ذلك، نجد أن وزارة الثقافة ترفع شعارات كبيرة عن “لامركزية الثقافة” و”العدالة الثقافية”، في حين أن واقع تنفيذ هذه الشعارات يظل غائبًا بشكل تام في ما يتعلق بإعلانات عواصم الثقافة.
من غير المقبول أن تتجاهل الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي الذراع التنفيذي للوزارة، هذه المبادئ في عملية إعلان الوادي الجديد “عاصمة للثقافة”، حيث كان من المفترض أن تكون الأنشطة الثقافية المنتظرة ناتجة عن تخطيط جاد ومدروس وليس عن وعود فارغة.
لا يمكن أن نغفل المقارنة بين الوضع في الوادي الجديد وما شهدته محافظة مرسى مطروح في عام 2019، عندما تم الإعلان عنها أيضًا كعاصمة للثقافة المصرية، ولم يكن هناك أي تحرك حقيقي لتنفيذ أي أنشطة ثقافية فاعلة. ما الفرق إذًا بين الوادي الجديد ومرسى مطروح، وماذا تحقق على الأرض في كلا الحالتين؟
يبدو أن هذا التكريس السنوي لعواصم الثقافة في محافظات مصرية يعاني من خلل بنيوي في التخطيط والتنفيذ، مما يجعل من الصعب تحقيق أي نتائج حقيقية على المستوى الثقافي أو الاجتماعي.
وفي هذا الصدد، يبرز سؤال آخر: هل لدى وزارة الثقافة رؤية استراتيجية واضحة تهدف إلى تحقيق تنمية ثقافية مستدامة في المحافظات الحدودية؟ أم أن الأمر مجرد استعراض إعلامي لا يُراعي أهمية تلك المناطق في النهوض بالوعي الثقافي؟
إن غياب التخطيط المدروس يظهر بشكل جلي في كل من مرسى مطروح والوادي الجديد، حيث لم تشهد هذه المحافظات أي نوع من التغيير الفعلي في حركة الثقافة على الرغم من تصدرها للعناوين الصحفية كعواصم ثقافية.
إن محاسبة المسؤولين عن هذا التقاعس أمر ضروري، ويجب أن يتم استدعاء كشف حساب شامل للأنشطة الثقافية في مرسى مطروح والوادي الجديد وبورسعيد، ليتضح للجميع ما تم إنجازه في تلك المحافظات خلال السنوات الماضية.
كما يجب على الوزارة أن تقدم تفسيرًا شفافًا للرأي العام حول سبب هذا الفشل المستمر في تنفيذ برامجها الثقافية في هذه المناطق.
إن الوضع الحالي في الوادي الجديد يطرح تساؤلات أكبر حول مدى فعالية وزارة الثقافة في تحقيق العدالة الثقافية واللامركزية الثقافية.
هذا التقاعس يُعرّض الحكومة المصرية للتساؤلات حول جديتها في تحقيق تنمية ثقافية حقيقية لجميع المواطنين في كافة أنحاء البلاد، ويؤكد على ضرورة وجود محاسبة حقيقية توازي التطلعات المعلنة وتدعم الأهداف الاستراتيجية للدولة في التنمية الثقافية.