في خطوة تعكس استمرار تقاعس الحكومة المصرية في الحفاظ على أصول الدولة وممتلكاتها، أعلن البنك المركزي المصري عن البدء في بيع 30% من أسهم “المصرف المتحد”، أحد البنوك الحكومية، في عملية خصخصة تعد الثانية من نوعها خلال الأربع سنوات الماضية.
هذه العملية تأتي كجزء من سياسة الحكومة في التخلص من الأصول المملوكة للدولة بحجة تحقيق إيرادات، لكن الواقع يكشف عن وجود فساد واسع النطاق وسوء إدارة للموارد العامة، ما يؤدي إلى خسائر كبيرة للاقتصاد الوطني ويعزز من هيمنة رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب على الأصول المصرية.
في هذه الصفقة المثيرة للجدل، أعلن البنك المركزي عن طرح 330 مليون سهم من أسهم المصرف المتحد في البورصة المصرية، بهدف جمع 5.15 مليار جنيه، وهي خطوة يتوقع أن تؤدي إلى تقليص حصة الدولة في المصرف، ما يثير تساؤلات حول مدى استدامة مثل هذه السياسات في دعم الاقتصاد المصري. في ظل عدم شفافية الحكومة في إدارة هذه الصفقة، يثار الشكوك حول مصلحة المواطن العادي في هذه العملية، وهل ستعود عليه بأي نفع أو أنها ستخدم فقط طبقة المستثمرين والنخب الاقتصادية المتحكمة في المشهد.
المصرف المتحد هو أحد البنوك التي أسسها البنك المركزي المصري في 2006 بعد دمج ثلاثة بنوك صغيرة كانت تعاني من مشاكل مالية كبيرة، بهدف إنقاذ تلك البنوك وتحقيق استقرار مالي. على مدار السنوات الماضية، عمل البنك المركزي على تحسين أوضاع المصرف المتحد وتحقيق أداء جيد نسبيًا مقارنة بالعديد من البنوك الأخرى. مع ذلك، يبدو أن الحكومة غير مهتمة بالحفاظ على هذه المؤسسة الوطنية وتسعى فقط إلى بيعها لتحقيق مكاسب مالية سريعة دون النظر إلى العواقب بعيدة المدى لهذه الخطوة.
عملية الخصخصة الجديدة تأتي في إطار سياسة الحكومة المصرية التي بدأت منذ سنوات في بيع حصص من البنوك الحكومية والشركات الكبرى في السوق المفتوحة. ففي عام 2020، قامت الحكومة بخصخصة “البنك التجاري الدولي” عبر بيع جزء من حصته في البورصة المصرية، ما أدى إلى تقليص دور الدولة في القطاع المصرفي بشكل كبير، رغم الانتقادات التي وجهت للحكومة في حينها حول تأثير هذه الخطوة على الاستقرار المالي ومصالح المواطنين.
وفي ظل استمرار هذه السياسة التي تعتمد على بيع الأصول المملوكة للدولة، يثار العديد من التساؤلات حول مدى استفادة الاقتصاد المصري من هذه العمليات. فمن جهة، تعاني البلاد من تضخم متزايد وارتفاع في مستويات الفقر والبطالة، بينما من جهة أخرى، تواصل الحكومة عمليات البيع دون وجود خطة واضحة لاستخدام العائدات المتحصلة من هذه العمليات في دعم الاقتصاد أو تحسين الظروف المعيشية للمواطنين. هذا التوجه يثير الشكوك حول نوايا الحكومة ويعزز من تصاعد المخاوف بشأن انتشار الفساد داخل مؤسسات الدولة، خاصة مع غياب الرقابة الشفافة والفعالة.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو توقيت عملية البيع الحالية، حيث تأتي في وقت تشهد فيه مصر أزمة اقتصادية حادة، وتزايد الضغوط الخارجية على الحكومة لخفض عجز الموازنة وتقليل الدين العام. لكن بدلاً من البحث عن حلول جذرية للمشكلات الاقتصادية المتفاقمة، تلجأ الحكومة إلى بيع الأصول الوطنية في محاولة يائسة لجمع الأموال. هذه السياسة تعكس فشلاً ذريعاً في إدارة الاقتصاد وتفاقم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية في البلاد، حيث يستفيد المستثمرون الكبار ورجال الأعمال من هذه العمليات بينما يتحمل المواطن العادي الأعباء المالية الناتجة عنها.
كما يشير الخبراء إلى أن مثل هذه العمليات قد تؤدي إلى تآكل سيادة الدولة على مواردها الاقتصادية، حيث تصبح البنوك والشركات الكبرى في يد القطاع الخاص الذي يهدف في المقام الأول إلى تحقيق أرباح مالية دون اعتبار للمصالح الوطنية. في حين أن الحكومة تبرر هذه الخطوات بأنها ضرورية لجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الإيرادات، فإن هذه التبريرات لا تصمد أمام الواقع الذي يشير إلى تفاقم الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية للمواطنين.
من ناحية أخرى، يثار التساؤل حول كيفية تقييم البنك المركزي لقيمة المصرف المتحد وحصته في السوق، وهل تم تقييم الأصول بشكل صحيح وشفاف؟ فعملية بيع 330 مليون سهم وجمع 5.15 مليار جنيه تبدو وكأنها مجرد أرقام على الورق، دون وضوح حول العائد الحقيقي الذي ستجنيه الدولة من هذه العملية. يضاف إلى ذلك غياب الرقابة التشريعية والمحاسبية على مثل هذه العمليات، ما يعزز من الشكوك حول وجود فساد داخلي في هذه الصفقات وفتح المجال أمام النخب الاقتصادية للاستحواذ على مزيد من الأصول العامة.
في السياق ذاته، يرى العديد من الاقتصاديين أن عمليات الخصخصة المتكررة التي تقوم بها الحكومة تأتي ضمن خطة مدروسة لتمكين رجال الأعمال من التحكم في القطاعات الحيوية بالاقتصاد المصري، حيث لم يعد الأمر يقتصر على البنوك، بل امتد إلى شركات الطاقة والنقل وغيرها من القطاعات الاستراتيجية. هذه الخطوة لا تؤدي فقط إلى تآكل دور الدولة في إدارة الاقتصاد، بل تفتح المجال أمام تدخلات خارجية في الشؤون الداخلية للبلاد.
العديد من المؤسسات الدولية طالبت الحكومة المصرية بضرورة اتخاذ تدابير إصلاحية حقيقية بدلًا من الاعتماد على الخصخصة كحل سريع للأزمات المالية. إلا أن الحكومة مستمرة في اتباع هذا النهج، غير مكترثة بالمخاطر المحتملة على المدى البعيد. في ظل غياب خطة واضحة لاستثمار الأموال المتحصلة من عمليات البيع في مشاريع تنموية حقيقية، تبدو هذه العمليات وكأنها محاولة لتأجيل الأزمة بدلاً من حلها.
فإن عملية بيع 30% من أسهم المصرف المتحد تمثل جرس إنذار جديد حول مستقبل الأصول الوطنية في مصر، وتؤكد أن الحكومة مستمرة في اتباع سياسات غير مدروسة قد تؤدي إلى تدهور الاقتصاد بشكل أكبر. وفي ظل غياب الشفافية والمحاسبة، تظل الأوضاع في مصر مفتوحة على المزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي سيدفع ثمنها المواطن المصري العادي بينما تزداد طبقة الأغنياء والمستثمرين نفوذًا وثروة