تتوالى الكوارث على محافظة الإسكندرية التي باتت مهددة بشكل مباشر بتداعيات الطقس العاصف والذي يُظهر بوضوح حجم التقاعس الحكومي والفشل المزمن في إدارة الأزمات.
اليوم، الإسكندرية تشهد حالة من الفوضى العارمة بسبب الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة، في مشهد متكرر أصبح المواطنون فيه ضحايا إهمال واضح وتقصير مزمن من الحكومة المصرية. هذه المأساة ليست وليدة اللحظة بل تتراكم منذ سنوات طويلة، وتكشف عن فساد مستشرٍ في مختلف المستويات.
وفقًا لبيان صادر عن هيئة الأرصاد الجوية، فإن الإسكندرية اليوم تعاني من درجات حرارة منخفضة تصل إلى 15 درجة مئوية، بينما بلغت الرياح العاصفة سرعة 26 كيلو متر في الساعة، فيما تتساقط الأمطار بغزارة متوسطة إلى شديدة على مناطق متفرقة من المحافظة.
ورغم هذه التحذيرات المتكررة التي تصدر عن هيئة الأرصاد، فإن السلطات التنفيذية في الإسكندرية تواصل سياسات التأخير والتسويف دون أي تحرك فعلي وملموس على أرض الواقع.
السحب الممطرة تتكاثف باستمرار فوق المدينة منذرة بمزيد من الكوارث، ولكن يبدو أن هذه التحذيرات لم تصل بعد إلى أذن المسؤولين.
فوضى الاستعدادات والتنصل من المسؤولية
بينما تعصف الأمطار بالشوارع وتعطل الحياة اليومية لمئات الآلاف من المواطنين، نجد أن الحكومة المصرية لم تحرك ساكناً، وتكتفي بالتصريحات الفارغة حول “رفع درجة الاستعداد القصوى”.
هذه الإجراءات الشكلية التي تُعلن في كل مرة دون نتيجة على أرض الواقع ما هي إلا مجرد تغطية على التقاعس الحكومي الواضح.
الشوارع تغرق والمياه تملأ الطرقات الرئيسية، ومع ذلك نرى المسؤولين يتفاخرون بـ”متابعة الحالة” وكأن ذلك سيحل الأزمة.
يتحدث المسؤولون عن “التنسيق مع شركة الصرف الصحي” وكأن تلك الشركة المعنية بإدارة الأزمات تملك فعلاً القدرة على مواجهة هذه الكارثة.
فمع كل موجة أمطار، يتضح مدى قصور هذه الشركة، وفشلها في مواجهة الحد الأدنى من المسؤوليات، حيث أن النظام المتبع لتصريف المياه يبدو وكأنه معد ليعمل في مدينة أخرى غير الإسكندرية، التي تحتاج إلى بنية تحتية حديثة قادرة على استيعاب كميات الأمطار الهائلة.
يبدو أن الحكومة تغض الطرف عن هذا الواقع المرير الذي يواجهه المواطنون، حيث تكتفي بإلقاء اللوم على “الظروف الطبيعية” وتتهرب من المسؤولية.
استنزاف موارد الشعب في مشاريع فاشلة
ولعل ما يثير الحنق هو أن هذا الوضع الكارثي يتكرر كل عام، ولكن رغم ذلك، تواصل الحكومة تبرير فشلها بتنفيذ ما يسمى “الاستراتيجية المتكاملة لإدارة مياه الأمطار”، وهي تلك الاستراتيجية التي بات واضحاً للجميع أنها مجرد شعار بلا مضمون.
فأحياء الإسكندرية لا تزال تعاني من غرق الشوارع وتعطيل المصالح العامة والخاصة، في وقت تستنزف فيه الحكومة موارد الدولة في مشاريع غير مكتملة أو ذات جدوى معدومة. كل تلك المشاريع التي تم الترويج لها من قبل الحكومة، لم تفلح في إنقاذ الإسكندرية من شبح الغرق المستمر.
يدّعي المسؤولون أنهم “يتابعون مناسيب بيارات المحطات لاستيعاب أكبر كمية من مياه الأمطار”، ولكن الواقع يعكس عكس ذلك تماماً، فالبيارات غير مهيأة والأنظمة المعنية بتصريف المياه معطلة منذ سنوات. وتبقى الإسكندرية تواجه الأزمات المتكررة بنفس الوجوه، ونفس الفشل، دون أي حلول جذرية.
نوة المكنسة: تكرار المأساة
على الرغم من انتهاء نوة المكنسة التي استمرت لأربعة أيام بين 16 و20 نوفمبر، والتي أغرقت خلالها الأمطار الغزيرة مدينة الإسكندرية، إلا أن المدينة تستعد الآن لنوة جديدة خلال يومين فقط، وهي “نوة باقي المكنسة”، التي من المتوقع أن تستمر لأربعة أيام أخرى.
ومع ذلك، لم تُتخذ أي خطوات فعلية لتحسين الوضع أو حتى التخفيف من وطأة الأزمات التي باتت تضرب المدينة مع كل شتاء.
السكندريون يدركون جيداً أن هذه الاستعدادات الشكلية التي تعلن عنها الحكومة لن تكون سوى مسكنات مؤقتة للغضب الشعبي المتصاعد، فلا حلول جذرية في الأفق، ولا خطط واقعية لتدارك الأزمة.
ومن المتوقع أن تستمر الإسكندرية في مواجهة كوارث الطقس دون أدنى اهتمام من الحكومة التي يبدو أنها تفضل الاستمرار في سياساتها القائمة على التسويف والهروب من المسؤولية.
أين الحكومة من معاناة المواطنين؟
الوضع في الإسكندرية ليس مجرد حالة من سوء الأحوال الجوية، بل هو مؤشر خطير على فشل الإدارة الحكومية في التعامل مع الأزمات. المواطن السكندري لم يعد يحتمل هذه الأوضاع الكارثية التي تتكرر كل عام، ويدفع ثمنها من صحته وأمنه واستقراره. الحكومة المصرية، في المقابل، تكتفي بالتصريحات الرنانة وتقديم الأعذار الواهية، بينما تتفاقم معاناة الشعب يوماً بعد يوم.
الأمطار الغزيرة التي تهطل على المدينة ليست إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد الذي يخفي وراءه مشكلات هيكلية أعمق في بنية الإدارة المصرية. غياب التخطيط، الفساد المستشري، والتقاعس المتواصل عن أداء المهام الأساسية كل ذلك يجعل الإسكندرية وسكانها في مواجهة مستقبل مظلم لا أمل فيه إلا بانتفاضة شعبية حقيقية تضع حداً لهذا العبث الحكومي المستمر.
ويظل السؤال الكبير معلقاً: إلى متى ستظل الحكومة المصرية تغض الطرف عن هذه الكوارث المتتالية؟ وهل ستستمر في سياسة الهروب من المسؤولية أم أن هناك بصيص أمل لتصحيح المسار؟