أقل من 24 ساعة تكفي لتحرير معتقلي جزيرة الوراق بعد الغضب الشعبي
في تطور سريع شهدته جزيرة الوراق في أعقاب الاحتجاجات الشعبية الحاشدة التي انطلقت على إثر قيام قوات الأمن باعتقال عدد من الأهالي تم الإفراج عن جميع المعتقلين الذين تم احتجازهم خلال المداهمات الأخيرة
حيث أثارت الاعتقالات حالة من الغضب العارم بين السكان الذين يعارضون بشدة ما وصفته الحكومة بمحاولات التطوير والتي تهدف بحسب روايات الأهالي إلى تهجيرهم قسرًا من منازلهم التي عاشوا فيها لعقود طويلة
وشهدت الأحداث تصاعدًا كبيرًا بعدما خرج أهالي الجزيرة في مظاهرات غاضبة مطالبين بالإفراج الفوري عن ذويهم ومنددين بما وصفوه بالتعسف الحكومي وانتهاكات قوات الأمن التي جاءت على هيئة حملات اعتقال وترهيب مستمر
الأحداث الأخيرة تأتي في سياق محاولات حكومية مستمرة منذ سنوات لإخلاء الجزيرة من سكانها بزعم إقامة مشروعات تطويرية تهدف لتحويل المنطقة إلى وجهة سياحية واستثمارية الأمر الذي قوبل برفض واسع النطاق من قبل الأهالي الذين يعتبرون أن هذه المشاريع تهدف في المقام الأول إلى الاستحواذ على أراضيهم وبيعها لشركات استثمارية خاصة حيث عبر السكان عن استيائهم من تلك السياسات التي وصفوها بأنها تخدم فئة محدودة على حساب حقوقهم المعيشية والتاريخية في الجزيرة
وفي السياق ذاته اتهم أهالي جزيرة الوراق الحكومة بالتواطؤ مع مصالح استثمارية كبرى على حساب السكان الأصليين الذين يبلغ عددهم الآلاف حيث يؤكد السكان أن الحكومة تعتمد أسلوب التهديد والوعيد ضدهم من خلال استخدام قوات الأمن لفرض إجراءات التهجير القسري مشيرين إلى أن الجهات الحكومية تجاهلت مرارًا مطالبهم بفتح حوار جاد يضمن حقوقهم ويحقق التوازن بين خطط التطوير ومصالح السكان المحليين
أشار شهود عيان من سكان الجزيرة إلى أن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة خلال المداهمات الأخيرة وذكروا أن الاعتقالات شملت عددًا من الشبان وكبار السن الذين لم يشاركوا في أي أعمال عنف وهو ما أثار تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذه الحملات التي وصفوها بأنها تعسفية وغير قانونية حيث أضاف أحد الأهالي أن السلطات لم تكتف بحملات الاعتقال بل قامت أيضًا بإغلاق بعض المرافق الأساسية داخل الجزيرة في محاولة لفرض ضغوط إضافية على السكان ودفعهم إلى الرضوخ لمخططات الإخلاء
من ناحية أخرى تواصل الحكومة المصرية تبرير ممارساتها بدعوى أن المشروعات المخطط لها في الجزيرة تهدف إلى تحسين جودة الحياة للسكان المحليين وتطوير المنطقة بما يخدم الاقتصاد الوطني ومع ذلك يرى أهالي الوراق أن هذه المزاعم تتناقض مع الواقع حيث أن جميع الخطوات التي اتخذتها السلطات على مدار السنوات الماضية تشير إلى أن الهدف الحقيقي يتمثل في استغلال الجزيرة اقتصاديًا بعيدًا عن مصالح السكان
وقد أوضح أحد الحقوقيين الذين يتابعون القضية أن الحكومة المصرية تتجاهل بشكل صارخ التزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بما في ذلك حق السكان الأصليين في البقاء بمناطقهم ومقاومة أي محاولات للإجلاء القسري حيث أشار إلى أن حالات التهجير التي شهدتها مناطق أخرى في مصر أظهرت نمطًا واضحًا من الاستغلال والاستيلاء على الأراضي لصالح مشاريع استثمارية تخدم فئة محدودة من الأثرياء على حساب آلاف المواطنين البسطاء الذين يجدون أنفسهم دون مأوى أو تعويض مناسب
يرى مراقبون أن الإفراج السريع عن معتقلي الجزيرة جاء كنتيجة مباشرة للضغط الشعبي والمظاهرات الغاضبة التي أظهرت قوة تضامن الأهالي وتمسكهم بحقوقهم التاريخية حيث عبر أحد النشطاء عن اعتقاده بأن هذا الحدث يعكس قدرة المجتمعات المحلية على التأثير على سياسات الحكومة من خلال الاحتجاج السلمي والمنظم مشيرًا إلى أن هذا النموذج قد يشكل حافزًا لمجتمعات أخرى في مصر تواجه تحديات مشابهة للدفاع عن حقوقها
على الرغم من ذلك يظل التساؤل قائمًا حول ما إذا كانت الحكومة ستتوقف عن محاولاتها لإخلاء الجزيرة أم أنها ستلجأ إلى أساليب أخرى لتحقيق أهدافها حيث يشير البعض إلى أن الإفراج عن المعتقلين لا يعني بالضرورة تغييرًا في السياسات العامة بل قد يكون خطوة تهدف إلى تهدئة الوضع بشكل مؤقت قبل استئناف الضغوط على الأهالي من جديد في حين يخشى سكان الجزيرة أن يكون الإفراج عن ذويهم مجرد استجابة تكتيكية للغضب الشعبي دون أن يحمل معه أي تغيير جوهري في تعامل الحكومة مع القضية
جدير بالذكر أن جزيرة الوراق تُعد واحدة من أكبر الجزر النيلية في مصر وتقع على مساحة تصل إلى حوالي 1400 فدان ويعيش فيها آلاف السكان منذ عقود طويلة حيث يعتمد معظمهم على الزراعة وصيد الأسماك كمصدر رئيسي للدخل ومنذ إعلان الحكومة عن خطط تطوير الجزيرة في عام 2017 تصاعدت التوترات بشكل كبير بين السلطات والسكان الذين يتمسكون بأرضهم ويرفضون مغادرتها دون ضمانات واضحة تحمي حقوقهم وتضمن لهم حياة كريمة
ويرى البعض أن قضية جزيرة الوراق تفتح الباب مجددًا للنقاش حول العلاقة بين الدولة والمواطنين في مصر ومدى التزام الحكومة بحماية حقوق الإنسان واحترام القانون بينما يؤكد آخرون أن نجاح سكان الجزيرة في تحقيق مطالبهم ولو بشكل جزئي قد يشكل بداية جديدة لحوار مجتمعي أوسع يضع مصلحة المواطن في قلب السياسات الحكومية بعيدًا عن المصالح الاستثمارية الضيقة