اقتصادتقارير

زيادة أسعار خدمات الاتصالات في مصر: تأثيرات سلبية على المواطن والاقتصاد الوطني

أعلن محمد شمروخ الرئيس التنفيذي لجهاز تنظيم الاتصالات في مصر عن قرار السماح لشركات المحمول الأربع بزيادة أسعار خدمات الاتصالات بما يشمل مكالمات الهاتف وخدمات الإنترنت.

هذا القرار الذي جاء بعد الارتفاعات المتكررة في أسعار الخدمات، كشف عن التقاعس الحكومي في مواجهة التحديات التي تمر بها البلاد.

هذا القرار لم يكن مفاجئًا ولكنه أثار الكثير من التساؤلات حول مدى تبريره، خاصة أن الزيادة تتعلق بما يسمى “ارتفاع تكاليف التشغيل” التي تواجهها شركات الاتصالات.

تكاليف التشغيل سبب الزيادة المزعومة

أوضح شمروخ أن الزيادة الجديدة في أسعار خدمات الاتصالات جاءت بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل التي تعاني منها شركات المحمول والإنترنت في مصر. لكن هذا التبرير يثير الريبة خاصة وأن تكاليف التشغيل تظل قضية قديمة تم استخدامها عدة مرات من قبل الشركات للتغطية على رفع الأسعار في وقت يعاني فيه المواطن المصري من تدهور الوضع الاقتصادي. هذه الزيادة تحمل في طياتها أبعادًا أعمق من مجرد تحسن الخدمات، إذ تشير إلى فشل الحكومة في ضبط الأسعار ورقابة السوق.

ارتفاع الأسعار ليس الأول ولن يكون الأخير

من غير المستغرب أن هذه ليست المرة الأولى التي ترفع فيها شركات المحمول أسعار خدماتها في مصر، بل إن تلك الزيادة تأتي في سياق استمرار الارتفاعات المتوالية التي شهدتها الأسعار في السنوات الماضية. ففي سبتمبر من العام الماضي، كانت هناك أخبار متداولة عن زيادة في أسعار كروت الشحن، إلا أن جهاز تنظيم الاتصالات نفى تلك الشائعات مؤكدًا أنه لا يوجد أي رفع في الأسعار. ومع ذلك، أكد المواطنون حينها أن وحدات كروت الشحن قد تم تقليصها، مما يعني أن المستهلكين يحصلون على كميات أقل من الخدمات في مقابل نفس المبلغ.

الزيادة الحالية: بين التبرير والواقع

شركات الاتصالات رفعت أسعار خدماتها بنسبة تراوحت بين 10 إلى 17%، وهي الزيادة التي تمت الموافقة عليها من قبل جهاز تنظيم الاتصالات. هذه الموافقة جاءت على الرغم من أن عدد المشتركين في خدمات شركات المحمول الأربع يقترب من 110 ملايين مشترك. وبذلك، فإن الزيادة في الأسعار تؤثر بشكل كبير على شريحة كبيرة من المصريين الذين يعانون بالفعل من مشاكل اقتصادية متعددة. وفي الوقت نفسه، زعم جهاز تنظيم الاتصالات أن الهدف من رفع الأسعار هو تحسين جودة الخدمات المقدمة للعملاء، وهو تبرير لا يتماشى مع الواقع، خاصة أن أغلب المستخدمين يعانون من خدمات غير مستقرة في بعض الأحيان.

شركات الاتصالات: كيف تتلاعب بالأسعار؟

من خلال السماح بمراجعة أسعار خدمات المحمول والإنترنت بشكل دوري، تمنح الحكومة هذه الشركات الفرصة لرفع الأسعار دون أي رقابة حقيقية أو محاسبة على تلك الزيادات. وبذلك، يبدو أن جهاز تنظيم الاتصالات يشارك في هذه السياسة غير الشفافة، مما يزيد من حالة عدم الثقة بين المواطن والحكومة. قد يكون الرفع الدوري للأسعار جزءًا من خطة الشركات لزيادة أرباحها على حساب المواطنين، معتمدة على غياب الرقابة الحقيقية من الحكومة ووزاراتها المعنية.

تبريرات الحكومة: فشل في الإدارة ورغبة في الكسب

الزيادة في أسعار خدمات الاتصالات تكشف عن فشل حكومي ذريع في مراقبة الشركات الكبرى ومنعها من استغلال الوضع الاقتصادي لزيادة أرباحها بشكل غير مبرر. بدلاً من أن تسعى الحكومة لفرض رقابة صارمة على الأسعار وضمان خدمات أساسية بأسعار معقولة للمواطنين، نجد أنها تغض الطرف عن هذه الزيادات المستمرة. كما أن الحكومة في هذه الحالة قد تكون متواطئة مع هذه الشركات التي لا تكترث لمصلحة المواطن المصري.

تأثيرات سلبية على المواطنين

الزيادة الأخيرة في أسعار خدمات الاتصالات لن تؤثر فقط على تكلفة المكالمات والإنترنت للمواطنين، بل ستزيد من الأعباء المالية عليهم في وقت يشهد فيه الاقتصاد المصري العديد من التحديات. المواطن المصري الذي يعاني من زيادة الأسعار في العديد من القطاعات الأخرى سيكون مجبرًا على التكيف مع هذه الزيادات رغم قلة دخله، مما يساهم في زيادة الضغط على الأسر المصرية التي بالكاد تستطيع تأمين احتياجاتها الأساسية.

هل من أفق لتغيير؟

من الواضح أن الحلول الحكومية لا تزال بعيدة عن الواقع. إذا كانت الحكومة فعلاً تسعى لتحسين حياة المواطن المصري، فعليها أن تتحمل مسؤوليتها بشكل جاد وأن تضع سياسات واضحة للحد من الزيادات المستمرة في الأسعار، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الاتصالات. على الحكومة أن تتبنى منهجًا أكثر شفافية في تعاملها مع شركات الاتصالات، وتفرض رقابة صارمة على هذه الشركات لمنع التلاعب بالأسعار.

الفساد الحكومي في إدارة السوق

المستوى الفعلي للرقابة الحكومية على شركات الاتصالات يظهر بما لا يدع مجالًا للشك في مستوى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة. مع تزايد الزيادات المستمرة في الأسعار، تصبح الصورة أكثر وضوحًا حول التواطؤ الحكومي مع هذه الشركات. الشركات ترفع الأسعار بينما الحكومة تواصل تقديم التبريرات السطحية التي لا تعكس واقع الوضع الاقتصادي. هذا التواطؤ بين القطاع الخاص والحكومة يعكس غياب المساءلة ويزيد من معاناة المواطن المصري.

زيادة أسعار خدمات الاتصالات في مصر: تقاعس حكومي وفساد مستمر

وتبقى قضية رفع أسعار خدمات الاتصالات في مصر مثالًا حيًا على فشل الحكومة في حماية حقوق المواطن من جشع الشركات الكبرى. في وقت يعاني فيه الشعب المصري من أزمات اقتصادية حادة، لا يبدو أن هناك أي نية حقيقية لتحسين الوضع من خلال اتخاذ قرارات حكومية حاسمة أو فرض رقابة فعالة على السوق.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى