في قرية أبوحسيبة التابعة لمجلس قروي أبوعزيز بمحافظة المنيا، يعيش الأهالي تحت خط الفقر، يواجهون تحديات حياتية قاسية وأحلامهم البسيطة لا تتعدى الحصول على أبسط مقومات الحياة الكريمة.
يعاني سكان القرية من غياب الخدمات الأساسية، مثل مكتب بريد، الذي يخفف عنهم معاناتهم اليومية في صرف المعاشات لكبار السن والأرامل والمطلقات.
هؤلاء الذين يعانون بشدة من مشقة التنقل يوميًا على مسافة عشرات الكيلومترات في رحلة شاقة ذهابًا وإيابًا. رحلة لا نهاية لها وسط طوابير الانتظار التي لا تصدق،
حيث يضطر كبار السن للوقوف لساعات طويلة في طوابير تزاحمهم فيها أيدي الأقوياء، ما يجعل فرصتهم في الحصول على الخدمة ضئيلة للغاية.
تحتاج القرية أيضًا إلى شبكة تليفونات أرضيّة، وهو أمر بالغ الأهمية في العصر الحديث. فالإنترنت أصبح ضرورة حتمية للتلاميذ في مراحل التعليم المختلفة، إضافة إلى ضرورة تسهيل عمليات التواصل سواء داخل مصر أو خارجها.
وبالرغم من تكرار استغاثات الأهالي وتقديم طلباتهم المتعددة، لم تتحرك الحكومة أو الجهات المعنية في اتخاذ أي خطوات عملية لحل هذه المشكلات. وبالرغم من تفاعل بعض المسؤولين المحليين في بداية الأمر، إلا أن تلك الجهود كانت مجرد مسكنات مؤقتة لم تؤتِ ثمارها.
في بداية الأمر، استجاب أحد المهندسين لدعوات الأهالي بخصوص تركيب شبكة تليفونات أرضيّة. تمت عدة لقاءات مع مسؤولين في سنترال مطاى، حيث تم التنبيه للأهالي بتقديم طلبات جديدة من أجل تركيب الخطوط. وبالفعل، قام الأهالي بتقديم الطلبات المطلوبة، وقام سنترال مطاى بالمعاينات والمقايسات اللازمة، وتم رفع تلك الطلبات إلى هيئة الاتصالات في المنيا، لكن كان الرد مخيبًا للآمال. منذ عدة أشهر، جمدت تلك الطلبات في “ثلاجة” البيروقراطية الحكومية، ولا أحد يعرف متى ستتحرك عجلة التنفيذ.
الأهالي لم ييأسوا، بل استمروا في محاولاتهم، حيث اقترحوا على الوحدة المحلية في مطاى استغلال مقر مركز المعلومات المغلق منذ فترة طويلة. تم اقتراح تأجير هذا المقر كحق انتفاع لصالح هيئة البريد، بحيث يتم تحويله إلى مكتب بريد يخدم أكثر من 15 ألف نسمة من سكان القرية. كانت الآمال كبيرة، لكن كان رد الوحدة المحلية في مطاى مفاجئًا وصادمًا؛ حيث أفادت بأنه لا يمكنها إرسال الطلب إلى هيئة الاتصالات، بل من المفترض أن يكون البريد هو من يتواصل معها. وهكذا، دخل الأهالي في دوامة من الروتين القاتل الذي لا ينتهي.
هكذا يعيش أهالي قرية أبوحسيبة في واقع مرير، بين وعود كاذبة وقرارات إدارية معطلة، دون أي تحرك جاد من قبل الحكومة أو المسؤولين. وكلما طال انتظارهم، زادت معاناتهم. في وقت كانت فيه القرية بأمس الحاجة إلى اتخاذ خطوات عملية لحل مشكلاتهم، جاؤوا ليجدوا أنفسهم ضحايا للفساد الإداري، ولغرق المؤسسات الحكومية في الروتين القاتل الذي لا يخدم سوى المصالح الشخصية لبعض المسؤولين.
ما يزيد الطين بلة هو أن الحكومة لا تلتفت للمناشدات المتكررة من المواطنين الذين يواجهون يوميًا تحديات الحياة في ظل غياب أبسط الخدمات. إذا كانت القرية بحاجة إلى شبكة تليفونات أرضية لتسهل التواصل والتعليم، فإن القرية بحاجة أيضًا إلى مكتب بريد يخفف معاناة الأسر التي تعتمد على المعاشات كدخل رئيسي. لكن يبدو أن البيروقراطية هي السائدة، وأن معاناة المواطنين هي آخر اهتمامات المسؤولين.
في الوقت الذي يحرص فيه المسؤولون على الظهور الإعلامي، تظل المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المواطنون في القرى مثل أبوحسيبة تتزايد دون أي حلول فعلية. وبدلاً من أن يتحرك المسؤولون لإنقاذ الأهالي، يتم إرسالهم في دوامات من الوعود الفارغة والروتين القاتل، مما يزيد من حالة الإحباط واليأس بين السكان. وبينما يستمر المعنيون في غفلتهم، يعيش أهل قرية أبوحسيبة حياة مزرية تحت وطأة الفقر والإهمال.
إنها دعوة للصحوة، بل ضرورة عاجلة للقيام بتدخلات حكومية حقيقية لإنقاذ حياة هؤلاء المواطنين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ينتمون إلى قرية بعيدة عن الأنظار. فهل ستتحرك الحكومة أخيرًا لإنقاذهم؟ أم أن معاناتهم ستظل حبيسة التصريحات الواهية والوعود التي لا تتحقق؟ في ظل هذا التقاعس، تبدو الإجابة واضحة، لكن الأمل لا يزال يراود سكان أبوحسيبة في أن يكون لهم نصيب من الاهتمام الحكومي، وأن يكون هناك من ينقذهم من دوامة الفقر والجهل التي يعانون منها.