في مشهد مأساوي يعكس تقاعس الحكومة المصرية عن القيام بواجباتها، تعاني محافظة بورسعيد، وكأنها فريسة لعجز الأجهزة المعنية عن التصدي لتحديات المناخ التي لم تكن مفاجئة.
رغم كل التصريحات الواضحة بضرورة الاستعداد لموسم الشتاء، إلا أن فشل الحكومات المتعاقبة في التعامل مع الأمطار في محافظة بورسعيد أظهر بوضوح مدى فشل الإدارة التنفيذية، التي أصبحت عاجزة عن توفير أبسط المتطلبات لمواطنيها.
بداية المأساة كانت مع هطول أمطار غزيرة في مناطق متعددة من بورسعيد، حيث تساقطت الأمطار بكثافة شديدة في أحياء متنوعة، بدءًا من حي العرب وحتى بورفؤاد، وكانت النتائج كارثية على المواطنين الذين وجدوا أنفسهم غارقين في برك من المياه الراكدة.
كانت التحذيرات قد أُصدرت قبل وقوع الأمطار، ولكن الحكومة المصرية، على ما يبدو، كانت في سبات عميق، لا تستجيب لنداءات التحذير المتكررة.
وعلى الرغم من ما تم الإعلان عنه من استعدادات على الورق، فإن المشهد على الأرض يعكس واقعاً مختلفاً تمامًا. حيث تم الدفع بالمعدات الثقيلة كسيارات شفط المياه والفواتير المتخصصة، لكن كل تلك الآليات التي وُصفت بأنها “مجهزة” لم تستطع مواجهة تراكم المياه في العديد من الشوارع والميادين. الحملة التي كانت مُعلن عنها من قبل، والتي بدت كأنها محاولة لإخفاء تقاعس الحكومة، لم تكن إلا محاولات غير كافية للتخفيف من تداعيات الأزمة. فبينما كانت بعض الشوارع تشهد توقفات دائمة للمياه لعدة ساعات، كانت أحياء بأكملها مغمورة بمياه الأمطار، مما دفع السكان للاستنجاد بالمعدات التي كانت قد تم “نقلها” لتستعرض نفسها أمام العدسات الإعلامية.
في الوقت نفسه، كان مسؤولو الحكومة يواصلون التصريحات عن جاهزية محطات الصرف الصحي والتأكيد على متابعتها المستمرة على مدار الساعة. لكن الحقيقة كانت بعيدة عن ذلك، حيث لم تستطع محطات الصرف الكبيرة استيعاب حجم المياه المتراكم، مما أدى إلى تفاقم المشكلة. فقد تم تحذير الجميع من توابع الأمطار، ولكن كان هناك نقص في الإجراءات الفعّالة لتقليل الآثار السلبية، بل حتى في أدوات التدخل السريع التي كانت متاحة، لم تكن مستعدة أو فعّالة بما يكفي.
أما فيما يتعلق بالمحافظات المجاورة، مثل السويس والإسماعيلية، فلم تكن الصورة أفضل حالًا، حيث تم التصريح عن استقرار الأوضاع الجوية، لكن التقارير لم تشر إلى حقيقة أن الاستعدادات لم تكن بالشكل الكافي. إذ رغم التحذيرات المستمرة، تم الاكتفاء برفع حالة الاستعداد في شكل شكلي، دون ضمان فاعلية الإجراءات الاحترازية، وهو ما يعكس غياب خطة استراتيجية طويلة المدى لمواجهة حالات الطوارئ، بل وأبسط العمليات التي يجب أن تواكب أي حالة طوارئ طبيعية.
من الواضح أن هناك أزمة حقيقية في التعامل مع الأزمة المناخية التي يعيشها المواطن المصري. مع تكرار الأمطار الغزيرة كل عام، يبدو أن الحكومة لا تعلم كيف تتعامل مع مثل هذه الأحداث، والتي في النهاية تُسهم في تفاقم مشاعر الاستياء لدى المواطنين الذين أصبحوا أكثر قناعة بأن الأجهزة المعنية لا تعمل بجدية في تقديم الحلول، بل في إلقاء المسؤولية على الآخرين. قد تكون الأزمة في التحضيرات والموارد، ولكن الأهم هو غياب التنسيق والتخطيط الاستراتيجي الذي يجب أن يُفعّل لمواجهة تلك التغيرات التي لا بد من الاستعداد لها بشكل مسبق.
وبينما يُصرح المسؤولون عن الاستعدادات الميدانية ورفع حالة الطوارئ، يبقى المواطنون ضحايا لغياب التنسيق بين الجهات المعنية وافتقار الحكومة إلى استراتيجيات حقيقية لمكافحة مثل هذه الكوارث. فكلما هطلت الأمطار، تظهر نفس المشاهد المتكررة من غرق الشوارع وتعطل الحياة اليومية بشكل مفاجئ، بينما تواصل الحكومة إطلاق التصريحات الطنانة التي تفتقر إلى الفعالية أو التأثير المباشر على الأرض.
يجب أن يدرك الجميع أن تداعيات الكارثة ليست مجرد تراكم مياه في الشوارع، بل هي فشل متواصل في توفير أبسط مقومات الحياة لمواطني هذا البلد. وإذا كانت الحكومة تواصل التعامل مع الأزمة بالطريقة نفسها كل عام، فإن ذلك يعني استمرار معاناة المواطنين من غياب التنسيق والاهتمام في مواجهة مخاطر المناخ، وسيبقى المواطن هو من يدفع الثمن الأكبر.
عندما يحدث هذا في مدن مثل بورسعيد وغيرها، فإن السؤال الحقيقي هو: هل تتعلم الحكومة من الأخطاء السابقة أم أنها ستظل تُكابر وتستمر في نفس النهج الفاشل؟