تواجه مدينة بسيون، التي تضم أربع وحدات محلية رئيسية، واحدة من أفظع الأزمات في مجال النقل، حيث يعتمد سكانها على مركز بسيون كنقطة وصل أساسية للذهاب إلى مدينة طنطا، ما يجعل من تلك المنطقة أحد أكثر المناطق عزلة في المحافظة.
تمتد معاناة المواطنين في بسيون إلى أكثر من 40 قرية تتبع هذه المدينة، بالإضافة إلى العديد من العزب والنجوع التي تعيش على الأمل في تحسن الوضع ولكن دون جدوى.
فإن سفر أي مواطن من هذه المنطقة إلى مدينة طنطا يعد تحديًا يوميًا مملوءًا بالمعاناة، وقد أصبح الوصول إلى طنطا رحلة شاقة لا يرحم فيها لا الظرف الزماني ولا المكاني.
أزمة المواصلات مستمرة، بل في تزايد مستمر!
منذ سنوات، وبالتحديد مع بداية العام الدراسي، يتفاقم الوضع بشكل مأساوي حيث تبدأ أزمة المواصلات التي لا تنتهي حتى مع نهاية العام الدراسي. مع ساعات الصباح الأولى، يتجمع المئات من المواطنين، وخاصة الطلاب والموظفين، على الطرقات في انتظار وسائل النقل التي بالكاد تكفيهم، لتبدأ معاناتهم منذ السابعة صباحًا وحتى العاشرة صباحًا.
والكارثة أن هذا التجمع يتحول إلى سباق من أجل الحصول على مكان على وسائل النقل المتاحة. وبعد قضاء يوم عمل أو دراسة شاق، تعود المعاناة ولكن هذه المرة مع ساعات الظهيرة، حيث يبدأ المواطنون في انتظار وسيلة نقل تقلهم إلى منازلهم في رحلة العودة التي تمتد من الساعة الثانية مساءً وحتى السادسة مساءً، في ظل ضغوط شديدة على وسائل النقل المتوفرة.
الاستغلال وغياب الرقابة:
الأسوأ من ذلك أن بعض السائقين، في ظل غياب أي رقابة أو تنظيم حكومي، يقومون برفع الأجرة بشكل تعسفي، ويستغلون المواقف الصعبة للمواطنين، مما يضاعف معاناتهم. فلا يوجد أي نوع من المحاسبة أو التزام من قبل السائقين بالأعداد المقررة للركاب في كل وسيلة نقل، بل نجد أن العديد منهم يتجاوزون الأعداد المقررة بحثًا عن زيادة أرباحهم على حساب الضعفاء. هذه الزيادة غير القانونية في الأجرة تتسبب في تحميل المواطن مزيدًا من الأعباء المالية التي تزيد من وطأة معاناته اليومية.
محاولات يائسة لحل الأزمة:
في وسط هذه الفوضى، حاولت بعض الجهات المحلية إيجاد حلول لهذا الكابوس المستمر. حيث اجتمعت اللجان المحلية مع عدد من المسؤولين السابقين والحاليين في مجلس المدينة بحثًا عن حلول لهذه الأزمة المتكررة التي تحاصر المواطنين. لكن، لم تثمر هذه المحاولات عن أي تغيير يذكر، حيث وافق رئيس المجلس السابق على تخصيص عدد قليل من الميني باصات لنقل الطلاب إلى مجمع الكليات بسبرباى، وهو ما أتى بثمار مؤقتة فقط قبل أن تتوقف هذه الأتوبيسات عن العمل فجأة دون أي تفسير مقنع. ومع كل محاولة فاشلة، يتزايد شعور المواطنين بالخذلان، لتظل المشكلة قائمة دون حلول حقيقية.
المدينة بلا سكة حديد: هل هذا هو مصير بسيون؟
تزداد الأزمة تعقيدًا عندما نعلم أن مركز بسيون هو المركز الوحيد في المحافظة الذي يفتقر إلى خدمات النقل العامة بشكل كامل. فقد تم إلغاء خط السكة الحديد منذ عقود من الزمن، مما جعل المدينة محرومة من أي نوع من وسائل النقل الجماعي الفعّالة. ورغم العديد من الوعود والتصريحات الحكومية، لا تزال الأمور تراوح مكانها، والمواطنون في بسيون لا يجدون أي بصيص أمل في تغيير قريب. ففي الوقت الذي تشهد فيه المدن الكبرى تحسنًا في خدمات النقل، لا يزال أهالي بسيون عالقين في أزمات لا تنتهي، دون أية حلول واقعية على الأرض.
التجاهل الحكومي: جريمة في حق المواطنين
في ظل هذه الظروف، أصبح من الواضح أن الحكومة لا تبالي بما يعانيه أهالي بسيون. فقد فشلت الحكومات المتعاقبة في توفير وسائل النقل اللازمة لملايين المواطنين في هذه المنطقة، بل إن التجاهل الرسمي وصل إلى درجة أن الحلول المؤقتة، مثل الميني باصات التي تم تخصيصها لنقل الطلاب، كانت تُتخذ ثم تُهمل دون أن تحظى بأي دعم أو متابعة من الجهات المعنية. هذا النوع من التلكؤ والفساد الإداري يعكس عجزًا حكوميًا صارخًا ويجعل المواطن في بسيون يشعر بأنه مهمش تمامًا من قبل الدولة.
المطالبة بالحلول الفورية:
في ضوء هذه الكارثة المستمرة، يبقى الحل الوحيد لإنقاذ أهالي بسيون هو تدخل مباشر من أعلى المستويات الحكومية. يجب تخصيص عدد من الأتوبيسات لتلبية احتياجات المواطنين بشكل دائم، حيث يمكن تخصيص خط سير يربط بسيون بمدينة طنطا بشكل منتظم ومنظم لتخفيف العبء على المواطنين. كذلك يجب النظر في إعادة تشغيل خط السكة الحديد الذي تم الاستيلاء عليه منذ سنوات من قبل بعض المواطنين، الأمر الذي يجب أن يعاد النظر فيه فورا لتخفيف الضغط الكبير على المواطنين.
ولا يمكن للظروف أن تظل على ما هي عليه، إذ يجب على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها تجاه ملايين المواطنين في بسيون الذين يعانون من أبسط حقوقهم في التنقل الآمن والميسر. الأزمة ليست فقط أزمة نقل، بل هي أزمة كبيرة تكشف حجم الإهمال الحكومي في تأمين احتياجات الشعب.