لا تزال قرية ميت البيضا في مركز الباجور بمحافظة المنوفية، تعيش في كابوس لم ينتهِ بعد، حلم الحصول على شبكة صرف صحي توفر لأهلها أبسط مقومات الحياة المدنية.
ورغم مرور 14 عامًا منذ بدء تنفيذ المشروع، إلا أن القرية لم تشهد أي تقدم حقيقي على أرض الواقع، بل على العكس، تعرضت لمزيد من التأجيلات التي لا تنتهي ولا مبرر لها، ليظل هذا المشروع مصيرًا مجهولًا يطارد الأهالي ويكلف الدولة ملايين الجنيهات دون فائدة تذكر.
المشروع الذي كان من المفترض أن يحل مشكلة قديمة تهدد صحة المواطنين، يبدو أنه قد وقع ضحية للإهمال الحكومي والتأجيل المستمر.
فمنذ البداية كان من المتوقع أن ينتهي المشروع في وقت معقول، لكن ما حدث هو سلسلة من التأجيلات غير المفهومة والتي تزايدت بشكل مستمر، لأسباب كان يمكن تجاوزها بسهولة، مثل الانشغال بالتصوير التلفزيوني لخطوط الصرف الصحي الرئيسية، رغم أن العمل لم ينتهِ حتى اليوم. ورغم أن المشروع يعد من المشاريع الحيوية التي تحتاجها القرية بشكل عاجل، إلا أن جميع الجهود المبذولة على مدار السنوات الماضية لم تثمر عن أي إنجاز ملموس على الأرض.
وقد تم تسليط الضوء على هذه المعاناة خلال لقاء مع المسؤولين المعنيين في المحافظة، ولكن في النهاية كانت الوعود مجرد كلمات فارغة لا تحمل أي مضمون.
كان هناك تأكيدات على سرعة إتمام المشروع من قبل المعنيين في شركة مختار إبراهيم المنفذة، وشركة مياه الشرب والصرف الصحي، لكن الواقع يختلف تمامًا، حيث لم تشهد القرية أي خطوات ملموسة على الأرض لتنفيذ هذه الوعود.
ويظل السؤال الأبرز: لماذا لم تنفذ الحكومة هذا المشروع الحيوي رغم مرور أكثر من عقد من الزمن؟ لماذا تظل الأموال تُهدر، والمواطنون في ميت البيضا يعانون من غياب أبسط مقومات الحياة المدنية مثل الصرف الصحي؟ الواقع يقول إن المشروع تراجع بشكل كارثي وبدون أي توجيه حقيقي من قبل السلطات المحلية.
وفي وقتٍ لا يزال فيه المشروع يراوح مكانه، تزداد معاناة أهالي القرية الذين يطالبون بسرعة تنفيذ وصلات الصرف الصحي في المنازل. هذه الخطوة التي كانت من المفترض أن تتم منذ سنوات، هي الآن في غياهب التأجيل، ويبدو أن المسؤولين لا يشعرون بحجم الكارثة التي يتعرض لها المواطنون في ميت البيضا. ومن الجدير بالذكر أن تكلفة المشروع الإجمالية قد وصلت إلى مبالغ ضخمة، تتجاوز الـ10 ملايين جنيه حتى الآن، لكن دون أي فائدة حقيقية على أرض الواقع.
المشكلة لا تقتصر فقط على تأخير المشروع، بل تمتد أيضًا إلى محطة معالجة مياه الشرب في القرية التي وقفت جامدة دون أن يتم تسليمها للمواطنين. وقد كانت المحطة من المفترض أن تكون جزءًا من مشروع الصرف الصحي، لكن كما هو الحال مع باقي جوانب المشروع، لم يتم تنفيذها في الوقت المحدد. هذه المحطة التي كانت من المفترض أن توفر مياه شرب نظيفة، أصبحت هي الأخرى مجرد أرقام ضائعة في سجلات الدولة.
من هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى تدخل قوي من الحكومة لإجبار الشركات المعنية على الوفاء بتعهداتها وتنفيذ الأعمال المتبقية في المشروع. ويجب على المسؤولين أن يعوا تمامًا أن حياة الناس ليست لعبة في يد الشركات الخاصة، بل هي مسؤولية تتطلب جهدًا حقيقيًا واهتمامًا مستمرًا. أهالي ميت البيضا يستحقون الحصول على أبسط حقوقهم في الحصول على بيئة صحية وآمنة، وليس الاكتفاء بالوعود الكاذبة التي لم تحقق أي نتيجة.
يجب على المسؤولين في محافظة المنوفية أن يتحملوا مسؤولياتهم بالكامل ويقوموا بالضغط على الشركات المعنية لتسريع تنفيذ المشروع بكل مراحله. لا يمكن قبول مزيد من التأجيلات أو الوعود غير الملموسة، ويجب أن تكون مصلحة المواطنين هي الأولوية. إذا كانت الحكومة صادقة في نواياها لتحسين حياة المواطنين، فعليها أن تضع مصلحة أهالي ميت البيضا في مقدمة اهتماماتها وتكثف جهودها لإتمام هذا المشروع الحيوي الذي طال انتظاره.
إذا استمرت الحكومة في تقاعسها عن تنفيذ هذا المشروع، فستظل ميت البيضا شاهدًا على فشل حكومي ذريع يترك آثارًا مدمرة على صحة المواطنين وعلى مستقبل القرية بأكملها.