شهدت صادرات مصر من الصلب تراجعًا ملحوظًا خلال الشهور التسعة الأولى من العام الحالي حيث انخفضت قيمة الصادرات بنسبة 18% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي مسجلة 1.46 مليار دولار وهو انخفاض كبير يثير القلق ويشير إلى التحديات الاقتصادية والتجارية التي تواجه قطاع الصلب في مصر وتزامن ذلك مع هبوط في حجم الكميات المصدرة بنسبة 11.5% حيث بلغت 2.25 مليون طن في الفترة ذاتها
وعلى الرغم من هذا التراجع في الصادرات فقد سجل إنتاج الصلب المحلي ارتفاعًا بنسبة 4% خلال أول 9 أشهر من هذا العام ليقترب من 8 ملايين طن مقارنة بإنتاج قدره 7.5 مليون طن في نفس الفترة من العام الماضي هذا النمو المتواضع في الإنتاج يعكس تحسنًا في قدرات المصانع المحلية لكنه لا يكفي لتعويض الخسائر الناجمة عن انخفاض الصادرات وتراجع الطلب العالمي
وفي مقابل هذا التراجع في الصادرات شهدت واردات مصر من الصلب ارتفاعًا ملحوظًا سواء على مستوى القيمة أو الكميات فقد قفزت قيمة واردات الصلب بنسبة 33% لتصل إلى 4 مليارات دولار خلال أول 9 أشهر من العام الجاري بينما ارتفعت الكميات المستوردة بنسبة 45% لتصل إلى 7.5 مليون طن هذا الارتفاع الكبير في الواردات يطرح تساؤلات حول قدرة الصناعة المحلية على تلبية الطلب الداخلي في ظل المنافسة القوية من المنتجين الأجانب وتوافر البدائل المستوردة بأسعار منافسة
ويخضع قطاع الصلب في مصر للتصنيف الجمركي ضمن البند 72 الذي يشمل الخردة والبليت والأطوال والمسطحات إضافة إلى أصناف أخرى من المنتجات المتعلقة بصناعة الصلب هذا التنوع الكبير في المنتجات المستوردة يعكس حجم الطلب المتزايد على مختلف أنواع الصلب ويزيد من الضغوط على الصناعة المحلية التي تجد نفسها مضطرة لمنافسة هذه المنتجات في سوق يشهد تراجعًا في الطلب على الصعيد العالمي
أسباب التراجع في صادرات الصلب
يرى الخبراء في قطاع الصلب أن الأسباب الرئيسية لهذا التراجع تعود إلى عاملين أساسيين الأول هو انخفاض الأسعار العالمية للصلب خلال العام الجاري مقارنة بأسعار العام الماضي حيث شهدت بعض فئات الصلب هبوطًا كبيرًا في أسعارها ما أثر على عائدات المصدرين المصريين بنهاية سبتمبر الماضي وصلت بعض الانخفاضات إلى مستويات تصل إلى 115 دولارًا في الطن لمنتجات مثل لفائف الصلب المسطح الساخن حيث تراوح سعرها بين 470 و475 دولارًا للطن في نهاية سبتمبر مقارنة بـ580 و590 دولارًا للطن في نفس الفترة من العام الماضي هذا الانخفاض الحاد في الأسعار العالمية يزيد من الضغوط على المصدرين المصريين الذين باتوا مضطرين لتقديم منتجاتهم بأسعار أقل مما يقلل من هامش الربح ويؤثر على قدرتهم التنافسية
أما السبب الثاني فيعود إلى التراجع في الطلب العالمي على الصلب نتيجة التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده الأسواق العالمية حاليًا والذي أثر بشكل كبير على حركة التجارة الدولية وتراجعت الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية والصناعات الثقيلة التي تعد أكبر مستهلك للصلب ومع تراجع هذه الاستثمارات تقلص الطلب على الصلب مما جعل الشركات المصرية تجد صعوبة في تسويق منتجاتها خارج البلاد هذا التراجع في الطلب العالمي أثر أيضًا على الأسعار حيث باتت الأسواق تعاني من فائض في العرض مقابل الطلب مما يزيد من الضغوط على الأسعار ويؤدي إلى تدهور العائدات
تحديات داخلية وصراع مع الأسواق العالمية
وفي ظل هذه التحديات العالمية تواجه صناعة الصلب في مصر صعوبات داخلية تتعلق بارتفاع تكلفة الإنتاج مقارنة بالعديد من الدول المنافسة فالأسعار المحلية للمواد الخام مثل الخردة والبليت تتأثر بالتغيرات في الأسعار العالمية إضافة إلى الضغوط التي تواجهها المصانع المحلية من حيث تكلفة الطاقة والعمالة هذه العوامل تجعل الصناعة المصرية أقل قدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية التي تشهد في الأصل تراجعًا في الطلب
وعلى الرغم من هذه التحديات فإن بعض الخبراء يرون أن هناك فرصًا يمكن استغلالها للتخفيف من تأثيرات هذه التراجعات خاصة مع توقعات بانتعاش الطلب العالمي على الصلب في الأعوام القادمة مع عودة النشاط الاقتصادي وزيادة الاستثمارات في قطاعات البنية التحتية في عدة دول لذا يوصي البعض بضرورة تعزيز الاستثمارات المحلية في تحديث المصانع وزيادة كفاءة الإنتاج لتحسين القدرة التنافسية والاستفادة من أي فرص مستقبلية في السوق العالمية
مستقبل صناعة الصلب في مصر
يرى المحللون أن قطاع الصلب في مصر لا يزال يحتفظ بإمكانات كبيرة للنمو والتوسع خاصة إذا تمكنت الشركات المحلية من تجاوز التحديات الحالية والمنافسة في الأسواق العالمية على الرغم من تراجع الصادرات وزيادة الواردات إلا أن هناك فرصًا لتحسين الأداء من خلال تطوير تقنيات الإنتاج وخفض التكاليف وتعزيز الجودة في المنتجات المحلية كما أن تعزيز التعاون مع الأسواق الخارجية واستهداف أسواق جديدة قد يساعد في فتح منافذ جديدة لتصدير الصلب المصري
وفي الوقت ذاته ينبغي على الحكومة والمصنعين في مصر العمل على تحسين السياسات التجارية الداعمة للقطاع وتوفير الحوافز اللازمة لتشجيع الاستثمار في صناعة الصلب ومن المتوقع أن تلعب مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تخطط لها مصر دورًا هامًا في تحفيز الطلب الداخلي على الصلب مما قد يعزز الإنتاج المحلي ويقلل الاعتماد على الواردات
وفي الختام فإن التحديات التي تواجهها صناعة الصلب في مصر سواء كانت ناجمة عن التغيرات في الأسعار العالمية أو انخفاض الطلب العالمي تتطلب استجابة سريعة وحلول مبتكرة للحفاظ على استدامة هذا القطاع المهم للاقتصاد المصري