تصاعد القمع في جزيرة الوراق: الشرطة تشعل الحرائق وتعتقل الأهالي لإخلاء الجزيرة بالقوة
في تطور جديد يبرز قسوة الحكومة المصرية وتقاعسها عن حماية حقوق المواطنين، تصاعدت الأحداث في جزيرة الوراق بشكل غير مسبوق.
فقد شهدت الجزيرة في الأيام الأخيرة حملة أمنية عنيفة تستهدف إجبار الأهالي على إخلاء منازلهم وأراضيهم، حيث استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع بشكل مكثف وأضرمت الحرائق في بعض المناطق،
في محاولة واضحة لترويع السكان وإجبارهم على التنازل عن حقهم في البقاء. هذا التصعيد يأتي في إطار مخطط حكومي واسع يستهدف السيطرة على الجزيرة وتحويلها لمشروعات استثمارية كبرى لصالح فئة محددة من المستثمرين.
الواقعة بدأت حينما اقتحمت قوات الشرطة صباح الأحد الماضي الجزيرة، حيث تم استخدام القوة المفرطة دون سابق إنذار. الأهالي الذين رفضوا ترك منازلهم واجهوا رداً عنيفاً من الشرطة التي لم تكتفِ بإطلاق الغاز المسيل للدموع فقط، بل عمدت إلى إشعال الحرائق في مناطق معينة لإجبار الناس على مغادرتها. ومع ذلك، واجه الأهالي تلك الإجراءات بمزيد من الصمود والعناد، مما أدى إلى مواجهات ساخنة بين الطرفين.
الأرقام التي خرجت من الجزيرة تعكس حجم الكارثة التي تتعرض لها الوراق. فقد تم اعتقال أكثر من 30 شخصاً من السكان، بينهم نساء وأطفال، في حملة أمنية وُصفت بالوحشية. هؤلاء المعتقلون لم توجه لهم أي تهم واضحة، وهو ما يثير التساؤلات حول قانونية تلك الاعتقالات وأهدافها الحقيقية. مصادر محلية أفادت بأن الشرطة كانت تستهدف بشكل خاص الناشطين الذين قادوا حملات رفض التهجير القسري. كما أفادت المصادر بأن قوات الأمن فرضت حصاراً خانقاً على الجزيرة، حيث مُنع الدخول والخروج منها إلا بتصاريح أمنية، في خطوة تعزز من عزلة السكان وتزيد من الضغط عليهم.
الجزيرة، التي يعيش فيها نحو 90 ألف نسمة، كانت منذ سنوات هدفاً لمخططات الحكومة المصرية التي تسعى للاستيلاء عليها وتحويلها لمشروع استثماري ضخم ضمن مخطط تطوير القاهرة الكبرى. لكن هذا المخطط قوبل برفض قاطع من الأهالي الذين يرون أن الجزيرة ملك لهم ولأجدادهم، وأنهم لن يتركوا أرضهم مهما كانت الضغوط. وتعد الوراق واحدة من أكبر الجزر النيلية التي تحظى بموقع استراتيجي يجعلها هدفاً مغرياً للاستثمارات العقارية.
الحكومة المصرية تدعي أن المشروع يأتي في إطار جهود الدولة لتطوير المناطق العشوائية وتحسين مستوى معيشة المواطنين، لكن الحقيقة تبدو مختلفة تماماً. فبدلاً من توفير حلول بديلة عادلة للسكان، لجأت الحكومة إلى استخدام القوة الغاشمة لإخلاء الجزيرة، دون مراعاة لأبسط حقوق المواطنين في السكن والحياة الكريمة. الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لم تكن سوى جزء من سلسلة طويلة من الممارسات القمعية التي تستهدف الاستيلاء على الأراضي لصالح حفنة من المستثمرين والمقربين من دوائر السلطة.
التقارير الإعلامية أشارت إلى أن العديد من سكان الجزيرة تلقوا تهديدات من قبل مسؤولين محليين، حيث تم إبلاغهم بضرورة التنازل عن أراضيهم مقابل تعويضات هزيلة لا تتناسب مع قيمة تلك الأراضي ولا تكفي لشراء بدائل مناسبة. بعض السكان أشاروا إلى أنهم تلقوا عروضاً من مسؤولين فاسدين تضمن لهم تعويضات أكبر في حال التعاون مع الحكومة والموافقة على إخلاء الجزيرة، وهو ما يعكس مدى تغلغل الفساد في الأجهزة الحكومية.
المشهد في الوراق يعيد للأذهان حوادث مشابهة شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة، حيث كانت الحكومة تستخدم القوة والعنف لإخلاء مناطق أخرى من سكانها تحت ذريعة التطوير. في تلك الحوادث، كان المواطن البسيط هو الخاسر الأكبر، حيث يجد نفسه مجبراً على ترك منزله وأرضه دون أي ضمانات لمستقبل أفضل. الجزيرة التي كانت يوماً ملاذاً هادئاً للسكان، تحولت إلى ساحة معركة بين الحكومة التي تسعى للاستيلاء على كل شبر من الأراضي ذات القيمة العالية وبين الأهالي الذين لا يملكون سوى التمسك بحقهم في الحياة والكرامة.
ورغم الاحتجاجات والمطالبات المستمرة من الأهالي بضرورة وقف تلك الاعتداءات، إلا أن الحكومة المصرية تبدو مصرة على تنفيذ مخططها. فالخطابات الرسمية التي تصدر عن المسؤولين الحكوميين تؤكد أن إخلاء الجزيرة هو أمر لا رجعة فيه، وأن المشاريع الاستثمارية التي سيتم إقامتها على أرضها ستسهم في تنشيط الاقتصاد الوطني. ولكن يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن تنشيط الاقتصاد على حساب حقوق المواطنين؟ وكيف يمكن للحكومة أن تتحدث عن التنمية بينما هي تتجاهل أبسط معايير العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان؟
ما يحدث في جزيرة الوراق ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو نموذج صارخ لسياسات القمع التي تتبعها الحكومة المصرية تجاه مواطنيها. فبدلاً من الحوار مع السكان وإيجاد حلول سلمية وعادلة، لجأت الحكومة إلى استخدام العنف الممنهج، في مشهد يعكس مدى استهانتها بحياة الناس وحقوقهم. الجزيرة التي كانت رمزاً للصمود أصبحت اليوم رمزاً للاضطهاد والظلم.
في ظل هذا التصعيد، يتساءل الكثيرون: أين دور المجتمع المدني؟ وأين هي المؤسسات التي من المفترض أن تدافع عن حقوق المواطنين؟ هل ستبقى تلك المؤسسات صامتة أمام هذا القمع؟ أم أن الحكومة نجحت في إخراس كل الأصوات التي تعارض سياساتها؟