تقاريرمحافظات

إهمال حكومي فاضح يترك أسر دمياط في العراء والفساد يعطل مشاريع الإسكان

تشهد مدينة فارسكور بمحافظة دمياط أزمة حقيقية تجسد تقاعسًا واضحًا وفشلاً ذريعًا في توفير حياة كريمة للمواطنين الذين يعيشون في المناطق العشوائية، رغم كل الوعود التي ترددت على مدار السنوات الماضية.

بدأت الكارثة عندما تم هدم عمارة مساكن الجبانة، المعروفة أيضًا بمساكن الإيواء، وهي عمارة بنيت في السبعينات لإيواء الأسر المشردة أو أصحاب المنازل المنهارة.

تلك العمارة كانت مأوى لأكثر من 40 أسرة، حيث يعيشون في شقق لا تتعدى مساحتها 30 مترًا في ظروف معيشية غاية في الصعوبة من الناحية الاجتماعية والمادية والثقافية.

ومع ذلك، لم تبادر الحكومة المصرية منذ أكثر من 5 أعوام بإعادة بناء تلك العمارة أو توفير بديل حقيقي يضمن حياة أفضل لهؤلاء المواطنين الذين باتوا يعانون من إهمال طال أمده.

هدم العمارة تم تحت مسمى “تطوير العشوائيات” ولكن الحقيقة المؤلمة أن الأهالي تم نقلهم إلى مدينة الروضة المجاورة، وحتى هذه اللحظة لم يتم إعادة بناء أي شيء على الأرض التي أصبحت فضاءً بعد إزالة العمارة، مما أثار حالة من الغضب والاستياء بين الأسر التي كانت تنتظر بفارغ الصبر إعادة بناء مساكنها، ولكن بلا جدوى.

الأسوأ من ذلك أن هناك جمعية تابعة لشركة جملة استولت على أكثر من 300 متر من أملاك الدولة في عهد الحزب الوطني المنحل، ولم يتم إزالتها حتى الآن رغم مرور 15 عامًا على إغلاق الجمعية. هذه الجمعية تعرقل إقامة مشروع إسكان جديد للأسر التي تعاني من التشرد، والأكثر غرابة أن هناك 2 فدان من الأراضي المتاحة أمام مركز شرطة فارسكور والتي يمكن استخدامها لبناء مساكن جديدة، إلا أن هذه الأراضي لا تزال غير مستغلة، مما يثير الشكوك حول وجود فساد واضح في إدارة هذه الملفات الحيوية.

المثير للسخرية أن هناك مطالبات عديدة بإزالة الجمعية وبناء عمارتين إيواء تتسعان لـ100 شقة، على غرار مشروع إيواء أم العلا الذي نجح بنسبة 100%. ولكن، على الرغم من هذه المناشدات، لم يتم اتخاذ أي إجراء فعلي لتحقيق هذا الهدف، حيث تصل إيجارات هذه الشقق إلى 400 جنيه شهريًا للأسر الأكثر فقرًا، وهو ما يعد إنجازًا لو تحقق، لكن الواقع يشير إلى تقاعس تام من الجهات المعنية.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم يقم المسؤولون في محافظة دمياط باتخاذ الإجراءات اللازمة لتكرار نجاح نموذج إيواء أم العلا؟ لماذا لا يتم استغلال الأراضي المتاحة لبناء مساكن جديدة؟ والأدهى أن هذا التقاعس ليس وليد اللحظة، بل يعود لعقود طويلة من الإهمال الحكومي الذي استمر لأكثر من 40 عامًا.

أبناء مساكن الجبانة، وهم عمال يوميون أو حرفيون وسائقون يعيشون على دخل محدود، باتوا ضحية لهذا الإهمال الحكومي. مع ارتفاع الأسعار وتدهور الظروف الاقتصادية، أصبح هؤلاء المواطنون يعيشون في أوضاع تزداد سوءًا، حيث لا يوجد أي أمل حقيقي في تحسين أوضاعهم السكنية.

التقاعس الحكومي هنا ليس مجرد فشل إداري، بل هو جريمة في حق هؤلاء المواطنين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا أنفسهم في ظروف معيشية قاسية لم تقدم الحكومة لهم أي حلول واقعية. أكثر من 5 أعوام مرت منذ إزالة العمارة، وما زالت الأرض خاوية بلا أي مؤشر لإعادة البناء. الأسر التي كانت تعيش في هذه العمارة تعاقبت عليها الأجيال، وظلت تسكنها منذ السبعينات حتى جاء قرار الإزالة ليتركهم في حالة من التشرد واليأس.

الفساد الحكومي في هذا الملف يظهر بوضوح من خلال عدم محاسبة المتسببين في تأخير المشاريع التنموية، وترك الأراضي الفارغة دون استغلال، والسماح لجمعيات غير قانونية بالاستيلاء على أملاك الدولة دون تدخل حقيقي. هذا الفساد أضاع على هذه الأسر حقهم في السكن الكريم، وتركهم يصارعون من أجل البقاء في ظل ارتفاع مستمر في تكاليف المعيشة وانعدام الخدمات الأساسية.

ومع أن القيادة السياسية قدمت العديد من المبادرات لتحسين حياة المواطنين، إلا أن التنفيذ على المستوى المحلي في محافظة دمياط يثبت فشلًا ذريعا. فلا تزال المشاكل قائمة والأوضاع تزداد سوءًا. الأسر التي تم نقلها إلى مدينة الروضة لا تزال تنتظر، دون أمل في تحسين أوضاعها السكنية أو العودة إلى مساكن جديدة تليق بكرامتهم الإنسانية.

الحديث عن مشاريع التطوير بات مجرد شعارات فارغة من أي مضمون حقيقي، والوعود التي تطلقها الجهات المسؤولة في كل مرة تتلاشى مع مرور الوقت دون أي إنجاز ملموس. هذا يعكس حالة من التخاذل والتقاعس في القيام بأبسط واجبات الحكومة تجاه مواطنيها.

لقد حان الوقت للتحرك العاجل والفوري لحل هذه الأزمة قبل أن تتفاقم أكثر. المواطنون في دمياط لا يستحقون هذا المصير المأساوي الذي فرض عليهم نتيجة الفساد وسوء الإدارة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى