الجزيرة مش تكية ولا عيشة على الهامش: اشتباكات جديدة بين أهالي الوراق والشرطة
أكثر من سبع ساعات متواصلة من الاشتباكات العنيفة بين أهالي جزيرة الوراق وقوات الأمن، لتتحول المنطقة إلى ساحة حرب مفتوحة.
النظام الأمني المصري أرسل قواته المركزية وأجهزة أخرى لتفريق الأهالي قسرًا، بعدما انتفضوا في وجه محاولات الحكومة لإجبارهم على ترك أراضيهم بالقوة، وتحويل الجزيرة إلى مجرد أراضٍ للبناء أو مشروعات اقتصادية لا تعنيهم في شيء سوى تهديد مستقبلهم.
المشهد كان مروعًا، فقد شهدت الجزيرة أحداثًا دموية، بعدما لجأت السلطات إلى استخدام العنف المفرط في مواجهة المحتجين. عشرات من الأهالي أصيبوا بإصابات خطيرة نتيجة استخدام الخرطوش من قبل قوات الأمن، في حين تم اعتقال عدد غير محدد من المتظاهرين دون مراعاة للحقوق القانونية.
الجرحى والمحاصرون في الجزيرة يعانون من نقص في الرعاية الطبية، في وقت تتجاهل فيه الحكومة كل المناشدات الإنسانية وتستمر في سياسة التجاهل والاستهانة بحياة المواطنين.
كانت الاشتباكات على أكثر من جبهة، حيث تبادل المتظاهرون والقوات الضربات في محاولة للدفاع عن أنفسهم ومنازلهم. طوال هذه الساعات، ظل الأهالي صامدين في وجه آلة القمع التي لا تنتهي، على الرغم من العدد الكبير من المصابين والمعتقلين. أهالي الجزيرة لم يركعوا ولم ينكسروا أمام بطش النظام، بل أصروا على مطالبة حقوقهم المشروعة في العيش على أرضهم التي سلبت منهم في غفلة.
بينما كانت عمليات القمع على أشدها، كانت هناك دعوات من الأهالي للخروج في مظاهرات حاشدة أمام مقار الحكومة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، حيث تبين أن أكثر من مائة شخص تم اعتقالهم في ظل ظروف غير قانونية. التجمعات أمام مراكز الشرطة كانت تزداد بشكل يومي، مع استمرار السلطات في سياسة التصفية الجسدية والتوقيف العشوائي دون أي مراعاة للحقوق المدنية. كان واضحًا أن هذه الإجراءات ليست من باب “فرض النظام” كما يدعي المسؤولون، بل هي محاولة مكشوفة لتحطيم إرادة المواطنين وقمع أصواتهم المعارضة.
ما يثير الاستفهام أكثر هو غياب تام لأي استجابة حقيقية من الحكومة لمطالب الأهالي العادلة. في الوقت الذي يطالب فيه الناس بحقهم في الحياة بكرامة على أراضيهم، لا نجد أي تحرك من قبل الحكومة لإيجاد حلول حقيقية بعيدة عن العنف والتهجير. بدلًا من ذلك، يبدو أن هناك سياسة ممنهجة تهدف إلى تهجير المواطنين من المناطق المربحة اقتصاديًا لتحويلها إلى أراضٍ للاستثمار العقاري، على حساب حياة البشر. هذا التصرف يعد بمثابة طمس لحقوق السكان الأصليين وتهديد مباشر لاستقرارهم الاجتماعي والاقتصادي.
ما حدث في جزيرة الوراق ليس حادثًا فرديًا، بل هو جزء من سياسة مستمرة يتبعها النظام المصري في قمع المواطنين وحرمانهم من أبسط حقوقهم. لا يكاد يمر يوم إلا وتظهر فصول جديدة من التعديات على حقوق المواطنين البسطاء، الذين يواجهون مصيرًا مجهولًا في ظل هذا النظام القمعي الذي يركب موجات الاستغلال والفساد.
مؤكد أن القتل والاعتقالات لم يكن ليحدثا لولا إصرار الحكومة على السير في طريقها المظلم. لم تكن السلطات مهتمة بمستقبل الأهالي ولا بوضعهم الاجتماعي، بل كان همّها الأول هو فرض الهيمنة والسيطرة على الأراضي بأي ثمن. ولهذا لم يكن غريبًا أن نرى صدامات مستمرة بين الأهالي وبين قوات الأمن التي كانت تدير المعركة وكأنها مواجهة مع “أعداء” وليست مع مواطنين يطالبون بحقوقهم المشروعة.
وبينما لا يزال النظام يتجاهل مطالب الناس، تستمر موجات الفساد الحكومي في التأثير على حياة المواطنين، حيث يتضح أن هذا الصراع ليس فقط على الأراضي، بل على الحق في العيش بكرامة. الحكومة بدلًا من أن تقدم حلولًا عادلة لأهل الجزيرة، اختارت الطريق الأسهل وهو القمع والعنف المفرط ضد من يعارضون سياستها.
إن هذه الأوضاع تستدعي محاسبة الجميع، بدءًا من أعلى المستويات في السلطة وصولًا إلى الأجهزة الأمنية التي تحولت إلى أداة لضرب الأبرياء. إن تراخي الحكومة في مواجهة الفساد داخل أجهزتها جعلها عاجزة عن إيجاد حلول جذرية لهذه القضايا. الشعب يدفع ثمن هذا الفساد كل يوم، لا سيما في الأماكن التي تشهد اشتباكات وصراعات مستمرة من أجل البقاء.
على ضوء هذه الأحداث، أصبح واضحًا أن النظام لا يبالي بالثمن الذي يدفعه المواطنون من دمائهم وأرواحهم. في جزيرة الوراق، كما في أماكن أخرى، يصطف المواطنون في طوابير من الاعتقالات والقتلى، فيما الحكومة تواصل مسلسل القمع والفساد. وفي النهاية، يبقى السؤال الذي يطرحه الجميع: هل النظام فعلاً جاهز لتحمل تبعات هذه السياسات الفاشلة؟