يعيش سكان محافظة المنوفية في كارثة بيئية غير مسبوقة، وسط غياب تام للرقابة الحكومية وتراخي المسؤولين في أداء واجبهم، مما يعكس فشلًا ذريعًا في التعامل مع قضايا البيئة والنظافة العامة.
في وقتٍ يشهد فيه البلد أزمة بيئية تهدد صحة المواطنين، تكشف الأرقام الصادمة عن حجم الإهمال الرسمي في معالجة هذه الكوارث التي أصبح بعضها واقعًا يواجهه المواطنون يوميًا.
وفقًا للتقرير الصادر عن إدارة المخلفات ووحدة الرصد البيئي في المحافظة، تم رفع حوالي 18 ألف طن من المخلفات خلال شهر واحد فقط من المجاري المائية والترع المنتشرة في كافة أنحاء المنوفية، وهي حصيلة مذهلة لما خلفه تراكم المخلفات من مشاكل بيئية وصحية. لكن السؤال الأبرز هنا: كيف تم ترك هذه الأطنان من النفايات تتراكم طوال هذه الفترة دون تدخل فعّال؟
في تفصيل الأرقام، كان نصيب نطاق أشمون الأكبر حيث تم رفع حوالي 8900 طن من المخلفات في هذه المنطقة، بينما تم رفع 3565 طنًا من منطقة منوف و1750 طنًا من شبين الكوم.
لم تتوقف المعاناة عند هذه النقاط فقط، حيث شهدت مناطق أخرى مثل بركة السبع وتلا وقويسنا والباجور حصصًا مروعة من النفايات المتراكمة، بما يصل إلى 1691 طنًا و850 طنًا على التوالي،
فيما تهاوت مناطق مثل السادات والشهداء إلى 310 طنًا و140 طنًا على التوالي. والكارثة الأكبر كانت في مدينة سرس الليان، حيث تم رفع 352 طنًا من المخلفات الملقاة في المجاري المائية.
بينما يشير التقرير إلى أن هذه الأرقام تمثل جزءًا من خطة تدعي الحكومة أنها تهدف إلى “الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين”، يبقى السؤال المحير: ماذا فعلت الحكومة لتجنب هذه الكميات المهولة من النفايات التي تم رفعها؟
هل كانت هناك أي إجراءات وقائية أو محاسبة للمسؤولين عن هذه الفوضى البيئية قبل أن تصل الأمور إلى هذا الحد؟ الإجابة تأتي عبر التراخي التام والفساد الذي يعشش في أروقة الحكومة المحلية.
إن الوعود المتكررة من المسؤولين بتطهير الترع والمصارف تظل مجرد حبر على ورق، ولم يتحقق أي تقدم ملموس على الأرض.
من الواضح أن الفشل في مواجهة التلوث يزداد يومًا بعد يوم، ولا يبدو أن هناك أي نية حقيقية لمعالجة جذور المشكلة. بدلاً من هذا، يقتصر العمل على جمع النفايات بعد أن أصبح الوضع لا يُطاق.
في السياق ذاته، يتوالى الحديث عن تشديد الحكومة على من يلقون المخلفات في المصارف والترع، وتأكيدها على ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم.
لكن ما الذي فعله المسؤولون لمنع هؤلاء من إلقاء النفايات في المقام الأول؟ هل اتخذت الحكومة خطوات فعالة للحد من هذه الظاهرة التي تهدد الصحة العامة؟ لا شيء على أرض الواقع يؤكد جديتها في التصدي لهذا العبث البيئي.
ورغم هذه الكوارث البيئية، يستمر التصريح الرسمي بحملات رصد بيئي وتنظيف للمجاري المائية والترع، ولكن الواقع يؤكد أن تلك الجهود لا توازي حجم الكارثة.
فالبيئة في المنوفية باتت على شفا الانهيار، والمواطنون يتساءلون عن مصيرهم في ظل هذا الإهمال، حيث يتفشى مرض التلوث والمخاطر البيئية بشكل غير مسبوق.
الواقع البيئي في المنوفية اليوم ليس مجرد إخفاق إداري، بل هو تعبير صارخ عن فساد الحكومة المصرية وعجزها عن حماية البيئة وصحة المواطنين.
المشهد اليوم ليس مجرد تراكم مخلفات على أطراف الترع والمصارف، بل هو جزء من مسلسل طويل من الإهمال الرسمي الذي لا يجد من يوقفه.
ما زالت جهود الحكومة قاصرة وغير فعّالة أمام هذه الكوارث البيئية المتصاعدة. لا تتوقف الحكومة عن الإصرار على اتخاذ “الإجراءات القانونية” ضد المخالفين، في حين أنها تغض الطرف عن جذور الأزمة الحقيقية.
إن الفساد المستشري في الحكومة المحلية يجعل من هذه التصريحات مجرد وعود جوفاء، فمتى سيكون هناك تغيير حقيقي في مستوى الاهتمام بالبيئة؟ ومتى سيشعر المواطنون بأن لديهم حكومة تحمي صحتهم وتحافظ على بيئتهم؟
ما يحدث في المنوفية هو صورة مصغرة عن حالة الفشل الحكومي في كافة أرجاء مصر. إن الإهمال الذي يشهده المواطنون في حياتهم اليومية، سواء في مشكلة المخلفات أو في باقي قطاعات الخدمات، يبرز عجز الحكومة عن تقديم حلول فعلية لمشاكل المواطنين، بينما تستمر في إلقاء اللوم على الأفراد، وتتهرب من مواجهة فشلها الذريع في الإدارة.
في الوقت الذي يصر فيه بعض المسؤولين على أن هذه “الخطط” تأتي في إطار تنفيذ توجيهات القيادة العليا، يظل المواطن المصري يعاني في صمت، غير قادر على الحصول على أبسط حقوقه في بيئة صحية وآمنة.
فهل ستستمر الحكومة في تقديم وعود فارغة أم أن هناك من سيتحرك لوقف هذه الكارثة البيئية المتفاقمة؟ الإجابة باتت واضحة الآن: المسؤولون لا يكترثون بما يحدث.