حكومة مصر تقتل الأبرياء: قمع الاحتجاجات يتجاوز حدود الفساد والظلم
في مشهد يثبت بكل وضوح حجم التواطؤ الحكومي والتقاعس عن مسؤولياتها الأساسية، تعرضت فئة من المواطنين المصريين، الذين لم يكن لهم جرم سوى المطالبة بحقوقهم المشروعة، إلى معاملة قاسية من قبل قوات الأمن المصرية.
هذه المأساة لم تكن عابرة أو فردية بل جريمة حكومية متواصلة ضد أبناء الشعب الذين خرجوا للاحتجاج على غياب أدنى مقومات الأمان في الطرق العامة، الأمر الذي أدى إلى مصرع 13 شخصاً وإصابة 22 آخرين من عمال مصنع الملابس في منطقة الاستثمار بمحافظة بورسعيد.
كانت المطالبة في الأصل إصلاح الطريق الذي يمتد بين المطرية وبورسعيد، طريق تحول إلى قنبلة موقوتة تفتك بحياة الأبرياء بسبب الإهمال الحكومي الجسيم.
الاحتجاجات التي انطلقت من أهالي المدينة المنكوبة لم تكن سوى تعبير عن وجع دفين وطريق بات يشكل خطراً على حياة المواطنين. ولكن ماذا كان رد فعل الحكومة المصرية؟ لم يكن إلا المزيد من القمع والتنكيل.
خرجت قوات الأمن لتواجه المحتجين السلميين بإطلاق الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع. هذا الاستخدام المفرط للقوة لم يسهم إلا في قتل المزيد من الأرواح وتعميق الفجوة بين الحكومة والشعب، ليظهر جليًا حجم الفساد والتقصير في واجب الحكومة تجاه مواطنيها.
وبدلاً من الاستماع إلى مطالب المتضررين والعمل على إيجاد حلول حقيقية، تم تحريك آلة القمع لتثبيت الطغيان. 29 مواطناً من مدينة المطرية في محافظة الدقهلية تم اعتقالهم دون رحمة أثناء مشاركتهم في الاحتجاجات، وكانوا يطالبون ببساطة بإصلاح طريقهم، الطريق الذي أودى بحياة أحبائهم.
في الوقت الذي كان يجب فيه أن تتخذ الحكومة إجراءات فورية لتحسين البنية التحتية وتوفير الأمان، اختارت أن تقابل الاحتجاجات السلمية بتشديد الخناق على الأصوات المطالبة بالتغيير.
إن دار الخدمات النقابية والعمالية لم تكتفِ بتوثيق هذه الانتهاكات، بل دعت السلطات إلى ضمان حق المواطنين في التعبير عن آرائهم بطرق سلمية دون الخوف من بطش الأجهزة الأمنية.
هذا الحق، الذي يعد من أبسط حقوق الإنسان، بات مهدداً من قبل حكومة لا ترى في المواطنين إلا عبئاً يجب قمعه. البيان الذي أصدرته دار الخدمات كان صرخة في وجه حكومة تكتفي بمواجهة المظالم بالعنف بدلاً من المعالجة الجذرية للمشاكل.
إن استخدام السلطة المفرط ضد المحتجين العزل هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وهو تصرف يجب أن يُدان بشدة. من المؤسف أن الحكومة المصرية لم تكتفِ بتجاهل مطالب المواطنين، بل اختارت تسليط آلة العنف لتقمعهم وتتركهم في مواجهة مصيرهم.
الكارثة التي خلفتها تلك الأحداث من إصابات وقتلى لم تكن مجرد حادث عابر، بل نتيجة طبيعية للإهمال المستمر من الحكومة في معالجة قضايا البنية التحتية.
من جانب آخر، كان حزب المحافظين أحد الأجسام السياسية التي أعربت عن استنكارها الشديد لهذا التصرف. حيث طالب الحزب الحكومة بالتوقف عن استخدام القوة المفرطة ضد المواطنين،
مؤكداً أن هذا النوع من التعامل لا يولد سوى مزيد من الغضب الشعبي ويزيد من هوة الثقة بين الشعب والحكومة. وهو ما يعد في غاية الخطورة في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة حرجة تحتاج إلى استقرار اجتماعي وطني.
وعليه، لا يمكن تجاهل حقيقة أن الحكومة لم تقدم حتى الآن خطة واضحة للتعامل مع هذه القضية المأساوية، لا بل يبدو أن الخطط المعلنة منذ فترة حول تطوير الطرق وتوسيعها لم تكن إلا وعوداً فارغة، في وقت كان فيه الطريق يطالب بتوسيع سريع.
الحكومة مطالبة بتوضيح ما تنوي فعله لتوسيع طريق المطرية- بورسعيد أو حتى لإيجاد حلول بديلة تمنع تكرار هذه الكوارث في المستقبل.
إن ما يحدث الآن يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار خطير للسلطات المصرية. فقد أصبح واضحًا أن حكومة تواصل إظهار التقاعس المستمر في التعامل مع أبسط مطالب المواطنين.
إنها حكومة تفضل استخدام القوة والتهديد بدلًا من تقديم حلول حقيقية تنقذ حياة الأبرياء. الواقع الحالي يفرض على الشعب المصري أن يعيد النظر في قدرته على الاعتماد على حكومته في تلبية حقوقه وحمايته.
ويجب التأكيد على أن الجريمة التي ارتكبتها الحكومة ضد المواطنين المحتجين لن تمر دون حساب. لا بد من فتح تحقيق شفاف ومستقل لكشف ملابسات هذه الجريمة وتقديم الجناة إلى العدالة.
أما بالنسبة لأولئك الذين ضحوا بحياتهم على طريق الموت، فإنهم يستحقون لا فقط العزاء، بل تعويضا عاجلاً عن الخسائر الفادحة التي تكبدوها بسبب تقاعس الدولة.
إن مستقبل هذا البلد لن يكون إلا بيد الشعب إذا استمر في الوقوف ضد هذه الممارسات الظالمة. أما الحكومة، فهي مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تفي بوعودها وأن تتخذ خطوات عملية لضمان سلامة المواطنين وليس تحويلهم إلى أهداف للرصاص.