في زمن تُباع فيه الكرامة السياسية على قارعة الطريق، أصبح البرلمان أشبه بمسرحٍ للدمى، تُحركه خيوط المصالح الشخصية والأموال، فيما تتلاشى كفاءة الممثلين أمام رغبة الأثرياء في شراء السلطة.
المعادلة الحزبية التي تقودنا اليوم بسيطة وواضحة كالشمس بيع كراسي البرلمان = صفر كفاءات. هذه المعادلة لا تترك مجالًا للشك، فالمال الذي يتم تداوله بين الكواليس هو العامل الحاسم، وليس القدرة على تقديم حلول فعلية لمشكلات الدولة.
من هنا، نصل إلى نتيجة مؤلمة صفر سياسة، وصفر اقتصاد. إنها لحظة سوداء في تاريخنا السياسي، حيث ينهار كل ما تبقى من مبدأ “تمثيل الشعب” أمام لعبة الأرقام والأموال.
إذا استمر هذا النهج، فماذا نتوقع؟ نواب لا يملكون القدرة على الحديث بلسان الشعب، وبرلمانات خالية من أي مشروع وطني جاد.
الحديث عن بيع الكراسي البرلمانية قد يبدو للبعض مبالغة أو اتهاماً جزافياً، لكنه الواقع المرير الذي لا يمكن إغفاله. المأساة الحقيقية تكمن في أن هذا البيع لم يعد يثير حتى الاستنكار الشعبي، وكأننا اعتدنا على فكرة أن السياسة ليست سوى سلعة أخرى تُباع وتُشترى.
إن هذا التصور الكارثي يعكس انحدارًا حادًا في معايير العمل السياسي والتمثيل البرلماني. أصبح شراء الكرسي البرلماني بمثابة استثمار مالي مضمون، لا يتطلب سوى توفير “الثمن المناسب”، بينما تغيب الكفاءة والنزاهة كلياً عن المشهد.
وفي ظل هذا الانهيار، يتزايد النفور الشعبي من السياسة ومن ممثليها، الذين لم يعودوا يمثلون سوى مصالحهم الخاصة أو مصالح من دفعوا لهم.
ما نتج عن هذه الصفقات ليس مجرد غياب للسياسة، بل انهيار شامل لمنظومة الحكم. وعندما تختفي الكفاءة السياسية، ينحدر الاقتصاد أيضًا إلى مستويات خطيرة، إذ كيف يمكن لإدارة فاشلة سياسياً أن تدير اقتصاداً معقداً؟ هذا التساؤل يتطلب إجابة فورية، لأن الوضع الحالي لا يحتمل الانتظار.
النتائج الكارثية لهذه المعادلة السياسية المبتذلة لم تظهر فقط في ضعف التشريعات أو غياب الرقابة على السلطة التنفيذية، بل في غياب الإرادة الفعلية للإصلاح.
فالنائب الذي وصل إلى الكرسي عن طريق المال لا يمتلك الحافز للقتال من أجل مصلحة المواطنين؛ لأن همّه الأول والأخير هو استرداد استثماره وتحقيق الأرباح من خلال المنصب الذي يشغله.
لقد أصبحت السياسة في هذا السياق أشبه بحلبة صراع بين مجموعات من المنتفعين، بينما يُترك المواطن البسيط وحيداً في مواجهة أزماته اليومية.
من الضروري أن نعي أن هذه المعادلة الفاسدة قد تؤدي بنا إلى الهاوية، فلا يمكن أن ننتظر إصلاحاً حقيقياً من أشخاص ليسوا مؤهلين أو راغبين في تقديمه.
وإذا استمر هذا الانحدار في اختيار ممثلينا بهذه الطريقة العبثية، فإننا أمام مستقبل سياسي واقتصادي مظلم. ومن هنا، لا بد من وقفة حقيقية لإعادة النظر في النظام الحزبي والانتخابي برمته، لأن استمرار الأمور على هذا المنوال يعني كارثة وشيكة لن يسلم منها أحد.
إن الكفاءة السياسية ليست رفاهية، بل ضرورة مُلحة لبقاء الدولة واستقرارها، وأي محاولة لطمس هذه الحقيقة تحت غطاء الأموال والمصالح الشخصية ستؤدي إلى انهيار شامل على كافة الأصعدة.