قرية البربا الواقعة في محافظة سوهاج بجنوب مصر، أصبحت ساحة معاناة مستمرة للمواطنين الذين يعانون من نقص شديد في المياه الصالحة للشرب.
مشكلة المياه التي يواجهها سكان القرية ليست مجرد أزمة صغيرة، بل هي أزمة كارثية تتجاوز حدود التلوث العادي إلى تهديد حياتي مباشر لكل فرد في هذه المنطقة المنكوبة.
فالمياه التي يشربها الأهالي في بيوتهم ليس فقط غير صالحة للشرب، بل تحتوي على شوائب وتظهر بلون أصفر غير طبيعي يثير القلق بشكل واضح، أما الرائحة فتنبئ بوجود تلوث خطير يمكن أن يؤدي إلى أمراض مستعصية.
القرية تعيش في ظلام الإهمال: حكومات لا تتحرك وأهالي يصارعون البقاء
لم تعد مشكلة المياه النظيفة هي الهم الوحيد لأهالي قرية البربا، بل تحول الأمر إلى معركة يومية للبقاء على قيد الحياة في ظل غياب تام للدولة ومؤسساتها.
على الرغم من المناشدات العديدة التي وجهها الأهالي للمسؤولين لتغيير الوضع المأساوي الذي يعيشونه، إلا أن كل تلك المناشدات سقطت في آذان صماء، وكأن المسؤولين في غفلة تامة عن مأساتهم.
الأهالي، الذين يصل تعدادهم إلى الآلاف، اضطروا للجوء إلى محطات تحلية المياه التي أقاموها على نفقتهم الخاصة، في محاولة يائسة لتأمين مياه شرب آمنة.
ومع ذلك، فإن هذا الحل غير كافٍ، حيث لا يملك الجميع القدرة المالية لتأمين مياه نظيفة، مما يعني أن فئات كبيرة ما زالت تواجه خطر التسمم والعديد من الأمراض المزمنة.
مسؤولون يديرون ظهورهم لنداءات السكان: وعود غير ملائمة وحلول وهمية
أكثر ما يثير الغضب في هذه الكارثة هو أن الأهالي ليسوا وحدهم في معركتهم ضد فساد مياه الشرب، بل قاموا بتقديم العديد من الشكاوى والمناشدات للمسؤولين في شركة مياه الشرب وفي المحافظة، لكن كل تلك الشكاوى قوبلت بالتجاهل التام، بل كانت الردود التي تلقوها مجرد كلمات فارغة ووعود كاذبة لم تترجم إلى أفعال حقيقية.
ولعل الأخطر في هذه القضية هو تقاعس الجهات المسؤولة عن التأكد من سلامة المياه التي يتم تزويد الأهالي بها، فكلما تم إرسال فني لتحليل المياه،
كانت النتيجة دائماً أن المياه “مطابقة للمواصفات”، رغم أن الواقع يثبت عكس ذلك تمامًا. المياه ليست فقط غير صالحة للاستهلاك البشري، بل إنها تسبب العديد من الأمراض الخطيرة مثل الفشل الكلوي وتليف الكبد.
أهالي البربا يعيشون في دائرة مفرغة من الأزمات الصحية
لم يكن من المستغرب أن تشهد القرية تفشيًا مستمرًا للأمراض المزمنة بسبب تلوث المياه. وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من الأهالي، إلا أن المسؤولين يصرون على تجاهل الوضع ويغضون الطرف عن حقيقة أن هؤلاء المواطنين يعانون من مشاكل صحية حادة بسبب المياه الملوثة.
فالعشرات من الأهالي أصيبوا بأمراض فشل الكلى وتليف الكبد نتيجة استخدامهم المستمر للمياه الملوثة. لكن المشكلة لا تكمن فقط في الأمراض، بل تكمن في أن الوضع يتدهور بشكل سريع، ومع كل يوم يمر، تزداد معاناة الناس في البربا.
مشاريع مياه تم إلغاؤها وأهالي يضطرون للمزيد من التحمل
قبل البدء في مشروع إنشاء كوبرى جرجا العلوي، كان هناك خط مياه من المفترض أن يمر إلى قرية البربا لتزويدها بمياه شرب نظيفة.
لكن بعد الانتهاء من بناء الكوبري، تم إلغاء هذا الخط، مما فاقم من الأزمة وأدى إلى زيادة معاناة الأهالي الذين أصبحوا يعتمدون على مياه الخزانات والآبار غير الصالحة للاستهلاك البشري. وبدلاً من أن تبذل الحكومة جهداً لمعالجة هذه الأزمة، تركت الأهالي يواجهون التحديات الصحية التي قد تتفاقم بشكل أكبر.
الفساد يتجذر في كل زاوية: المسؤولون يتجاهلون معاناة الناس
يكشف الوضع في قرية البربا عن حجم الفساد المستشري في جهاز الدولة، حيث يبدو أن المسؤولين لا يهتمون بما يحدث في المناطق النائية مثل هذه.
فالمشروع الذي كان من الممكن أن يوفر مياه صالحة للشرب للقرية تم إلغاؤه تحت ذرائع غير مقنعة، بينما يظل المواطنون ضحايا لممارسات فاسدة تحرمهم من أبسط حقوقهم.
والأخطر من ذلك هو استمرار التغطية على المشكلة من خلال تقارير مزيفة تؤكد أن المياه “مطابقة للمواصفات”، بينما الحقيقة أن هذه المياه تفتقر لأدنى معايير الصحة والسلامة.
حياة الأهالي ليست أولوية: مناشدات فاشلة وواقع مرير
أصبح حلم أهالي البربا في الحصول على كوب مياه نظيف أشبه بحلم بعيد المنال. مع استمرار تجاهل المسئولين، لا يبدو أن هناك أي أفق لتحسين الوضع.
ما بين مياه ملوثة وأمراض مزمنة تفتك بالسكان، يجد الأهالي أنفسهم محاصرين في حلقة مفرغة من المعاناة والإهمال. وقد كان من المفترض أن تكون الحكومة هي المصدر الأساسي لحل مثل هذه الأزمات، لكن بدلاً من ذلك، تحولت إلى مصدر للفساد والتجاهل.
هل هناك أمل في التغيير؟
لا يبدو أن هناك أي أمل حقيقي في تحسن الوضع في القريب العاجل، إلا إذا تحركت الجهات الحكومية بشكل عاجل ومسؤول لحل أزمة المياه التي تلتهم حياة الأهالي في البربا.
ولكن إذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن المستقبل سيكون أكثر ظلمة بالنسبة لهذه القرية التي ضحى سكانها بكل شيء في سبيل الحصول على مياه شرب آمنة.