تقاريرمحافظات

كارثة إهمال في قرية البصيرة غرب الإسكندرية تعكس فشل الحكومة في الوفاء بوعودها

تعيش قرية البصيرة، التي تقع غرب الإسكندرية، حالة من الإهمال غير المسبوق، وتواجه أزمة وجودية قد تودي بحياة الآلاف من سكانها.

مع عدد سكان يبلغ حوالي عشرة آلاف نسمة، تقع هذه القرية على بُعد مسافة قصيرة من حي العامرية، إلا أنها تعيش في عزلة تامة عن الحياة الحضارية التي تتمتع بها المناطق المجاورة.

على الرغم من القرب الجغرافي، إلا أن الواقع المأساوي الذي يعيشه السكان يجعلهم في حالة من الترقب المستمر، حيث يتابعون أخبار المبادرة الحكومية “حياة كريمة” باهتمام شديد، لعلها تكون المخرج الذي يعيد لهم أبسط مقومات الحياة.

لكن هذه المبادرة، التي أُعلن عنها بشكل ضخم على المستوى الرسمي، لم تصل إلى القرية حتى الآن، وها هي تمضي الشهور والسنوات بدون أن يتغير شيء على الأرض، ليظل الفقر والحرمان ينهشان أجساد السكان الذين يفتقرون إلى كل شيء.

إهمال شامل وتحطيم لأبسط حقوق الإنسان

بداية من الطرق المتهالكة وحتى انقطاع الخدمات الأساسية، يعاني سكان البصيرة من كل أشكال الإهمال. الطريق الوحيد الذي يصل القرية ببقية المناطق لا يصلح حتى للسير عليه، وخاصة في فصل الشتاء، حيث يتحول إلى مستنقع من الوحل والمياه، مما يجعل الوصول إلى المنازل مهمة مستحيلة في بعض الأحيان.

وعندما يحتاج أحد المواطنين إلى سيارة إسعاف في حالات الطوارئ، فإن الطريق يصبح عائقاً أمام وصول الخدمات الطبية، وهو أمر يجعل حياة السكان في خطر دائم. لا وجود لمراكز صحية في القرية، مما يدفع المرضى إلى التوجه إلى مستشفى العامرية البعيد، وهو أمر يعكس حالة من التهميش الكامل.

وبينما تعيش القرية في فقر مدقع، يواجه الأطفال معاناة مضاعفة في التعليم، فالفصول الدراسية مزدحمة للغاية، ولا توجد وسائل نقل توفر لهم الوصول إلى مدارسهم، خاصة في فصل الشتاء عندما تغرق القرية في الأمطار، ما يجعل التنقل داخلها مستحيلاً.

إذاً، لا يوجد أي نوع من البنية التحتية التي توفر لأبناء القرية حياة كريمة، وهذا أمر يعكس فشل الحكومة الذريع في توفير أدنى الحقوق لأبناء هذا البلد.

أزمة المياه تهدد حياة المواطنين

لكن الكارثة الأكبر التي تواجهها القرية تتعلق بمياه الشرب، حيث يعاني السكان من نقص شديد في المياه الصالحة للشرب، فضلاً عن أن المياه التي تصلهم تكون غالباً ملوثة. أما أسوأ ما في الأمر، فهو أن المياه التي تصلهم مختلطة بمياه الصرف الصحي، نتيجة لمرور أنابيب المياه بالقرب من مجاري الصرف الزراعي.

هذا الخلط الخطير يهدد صحة السكان بشكل مباشر، حيث ينتشر بين المواطنين العديد من الأمراض المزمنة نتيجة تلوث المياه التي يستخدمونها في شؤونهم اليومية. لعل هذه القضية تحديداً تجسد حجم الفساد الذي يعاني منه قطاع الخدمات في مصر، والذي يدفع المواطنين ثمنه غالياً، ليس فقط بالمعاناة اليومية، ولكن بالأمراض التي لا حصر لها.

القمامة والمجاري في الشوارع.. صورة واضحة لإهمال الدولة

وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون النظافة أولوية للحفاظ على الصحة العامة، فإن شوارع البصيرة غارقة في القمامة، التي لم يتم جمعها بانتظام. لا يوجد من يحرك ساكناً في مواجهة هذا الوضع الكارثي.

تكدس المخلفات في الشوارع يجعل الحياة في القرية أشبه بكابوس مستمر، ما يعزز انتشار الأمراض المعدية بين السكان. وفيما يخص شبكات الصرف الصحي، فإن الوضع ليس أفضل، حيث تفيض المجاري في الشوارع بسبب تهالك الشبكات، ما يؤدي إلى تكوّن مستنقعات من المياه الملوثة التي تشكل تهديداً حقيقياً للحياة في القرية.

المسؤولون يختفون والقرية تواصل النزيف

ورغم هذه الكوارث المتلاحقة، لا نجد أي تحرك من قبل المسؤولين الذين يعتبرون أن اهتماماتهم تتلخص في الكلام والتصريحات الإعلامية التي لا تمت للواقع بصلة.

ورغم أن وعود التنمية وتوفير حياة كريمة قد شملت العديد من القرى، فإن قرية البصيرة لم تُدرج ضمن هذه المبادرات، ما جعل الأهالي يتساءلون: هل نحن مواطنون مصريون أم أننا مجرد أرقام لا قيمة لها؟ هذه الأسئلة تعكس حالة من اليأس والمرارة لدى السكان الذين يعيشون في ظروف مأساوية لا تقل عن المناطق الأكثر فقراً في العالم.

ولا يمكن القول إلا أن ما تعيشه قرية البصيرة هو نموذج حي لفشل الحكومة في الوفاء بأبسط وعودها، ومثال صارخ على فساد الإدارة المحلية التي تترك المواطنين يواجهون مصيرهم بأيديهم. القرية بحاجة إلى إنقاذ عاجل، وإذا استمرت هذه الأوضاع على ما هي عليه، فإن كارثة إنسانية كبرى قد تحدث في أي لحظة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى