في قرية صغيرة تُدعى قليشان، التابعة لمركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة، يعيش رمضان عبد العزيز الوكيل، الذي تحول إلى مثال حي للمأساة والإهمال الذي تمارسه الدولة المصرية تجاه مواطنيها. هذه القصة ليست مجرد حالة طبية نادرة؛ بل هي شهادة على الفساد والتخاذل اللذين أصبحت الحكومة المصرية متهمة بهما في العديد من القضايا الإنسانية.
رمضان، الذي يصف حالته بأنها “لم تحدث لبشر في تأريخ الدنيا”، يعيش مأساة حقيقية. قبل أكثر من تسع سنوات، تعرض رمضان لإصابة مروعة عندما أُطلق عليه طلق ناري من خرطوش في وجهه مباشرة، ما أدى إلى تحطيم كامل لعظام وجهه، وفقدانه للفك العلوي وأسنان فمه. لم تتوقف الكارثة عند هذا الحد، بل أصيبت عيناه أيضًا، مما أدى إلى تشوه كامل في وجهه، وتحولت حياته إلى كابوس لا ينتهي.
في ظل هذه الظروف القاسية، كان من المفترض أن تكون الدولة بجانبه، تدعمه وتوفر له العلاج اللازم، ولكن ما حدث كان العكس تمامًا. بدلاً من اتخاذ الحكومة قرارًا سريعًا بإرساله للعلاج بالخارج، حيث يمكن أن يحصل على رعاية طبية متقدمة تناسب حالته الحرجة، أصرت الحكومة المصرية، ممثلة في مجلس الوزراء، على علاجه داخل مصر، ليصبح رمضان حقل تجارب فاشلة.
أكثر من 35 عملية جراحية خضع لها رمضان في مصر، ومع ذلك لم يتغير شيء. لم تتحسن حالته بل ازدادت سوءًا. السنوات تمر، والآلام تتضاعف، ولكن الدولة لا تزال تتجاهل استغاثاته، التي استمرت لأكثر من تسع سنوات. رمضان لا يريد سوى حقه في العلاج. حقه في الحياة. حقه في أن يعيش مثل أي إنسان آخر.
مناشدات لا تجد آذانًا صاغية
على الرغم من استغاثات رمضان المتكررة، لم تجد صرخاته استجابة من الحكومة المصرية. يناشد رمضان الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل شخصي، قائلاً: “اسمع صوتي يا ريس، انقذني يا ريس، حق ضاع وأصبحت ميتًا على قيد الحياة”. رمضان ليس مجرد رقم أو حالة طبية؛ إنه إنسان يعاني ويحتاج إلى تدخل عاجل لإنقاذ حياته. رسائله إلى الرئيس الإنسان، كما يسميه، تعبر عن أمل ضعيف في أن يجد من ينقذه من هذا المصير المظلم.
إصرار الدولة على رفض سفر رمضان للعلاج بالخارج بحجة “ارتفاع تكاليف العلاج”، يكشف عن تقاعس المسؤولين وتواطئهم في تركه يعاني دون حل. ورغم أن تكلفة علاجه كانت أقل بكثير قبل ارتفاع سعر الدولار، إلا أن الحكومة ظلت تماطل وترفض منحه الفرصة للعلاج في الخارج، وهو ما يزيد من تفاقم الكارثة.
هل تهتم الدولة بمواطنيها؟
ما يحدث مع رمضان عبد العزيز الوكيل يطرح تساؤلات خطيرة حول دور الحكومة المصرية في رعاية مواطنيها. كيف يمكن لدولة أن ترفض علاج مواطنها في الخارج رغم وضوح حاجته الملحة إلى ذلك؟ كيف يمكن أن يُترك شخص يعاني من تشوهات جسيمة، لا يستطيع أن يعيش حياة طبيعية، فقط بسبب تقاعس الحكومة عن اتخاذ قرار بسيط كان يمكن أن ينقذ حياته منذ البداية؟
رمضان ليس حالة استثنائية، بل هو مثال صارخ على الفساد والإهمال الذي يعاني منه آلاف المواطنين في مصر. الحكومة التي كان من المفترض أن تكون خادمة للشعب تحولت إلى عقبة في طريق حقه في الحياة.
مطالبات عاجلة للحكومة
رمضان عبد العزيز الوكيل لا يطلب سوى حقه في العلاج. حقه في الحياة. حقه في العيش بكرامة. إذا كان المسؤولون في مصر قد تخلوا عنه طوال هذه السنوات، فإن الأمل الآن معقود على أن يتمكن الشعب المصري من إيصال صوته إلى القيادة العليا في البلاد.
المسؤولية الآن تقع على عاتق الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصيًا، إذ أصبح رمضان مثالاً حيًا للتخاذل والفساد الذي يجب أن يُعالج فورًا. لا يمكن أن يستمر هذا الإهمال، ولا يمكن أن يُترك رمضان يعاني أكثر مما عانى.
فساد حكومي أم تقاعس متعمد؟
في وقت تهدر فيه الحكومة الملايين على مشاريع لا تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، يتم رفض علاج حالة مثل رمضان بحجة ارتفاع التكاليف. هل يُعقل أن تتخلى الدولة عن مواطنيها بهذه السهولة؟ وكيف يمكن أن تُبرر الحكومة هذا الإهمال الصارخ في وقت تدعي فيه أن صحة المواطن على رأس أولوياتها؟
هذه القضية لا تتعلق برمضان وحده، بل تمثل اختبارًا حقيقيًا للحكومة المصرية ولقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها. إذا لم يتم إنقاذ رمضان، فإن هذه القصة ستظل وصمة عار في جبين النظام، وستكون دليلًا آخر على أن الحكومة تتقاعس عن أداء واجباتها الأساسية تجاه أبنائها.
هل ينقذ الرئيس السيسي “رمضان”؟
رمضان يوجه رسالته الأخيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي طالما تحدث عن حقوق المواطنين وعن العدالة الاجتماعية. ولكن هل سيتحرك الرئيس لإنقاذ رمضان؟ أم ستظل الحكومة ماضية في تجاهلها لصرخاته؟
“اغثونا اغاثكم الله”؛ هذه هي الصرخة التي يوجهها رمضان عبد العزيز الوكيل إلى كل من يستطيع مساعدته. بعد تسع سنوات من الألم والمعاناة، وبعد أكثر من 35 عملية جراحية فاشلة، لا يزال رمضان ينتظر أن يجد من ينقذه.