د. أيمن نور في حوار لـ”أخبار الغد”: قراءة في المشهد الدولي، ودور مصر في التحولات الإقليمية
انعكاسات التحولات العالمية على القضية الفلسطينية.
كيف يُمكن لمصر إعادة تعريف سياستها الخارجية؟
أجرى الحوار- نادر فتوح
لماذا الحوار مع الدكتور أيمن نور؟ ولماذا الآن؟
في الوقت الذي يتأرجح فيه العالم بين تحولات جذرية، تعصف بالأنظمة التقليدية وتُعيد تشكيل التحالفات، بات من الضروري الاستماع إلى رؤى وتحليلات متعمقة من شخصيات سياسية ذات خبرة دولية ومحلية مثل الدكتور أيمن نور.
نور، السياسي المصري البارز، رئيس حزب غد الثورة الليبرالي المصري، يحمل في جعبته خبرات تمتد من المشهد المحلي إلى العلاقات الدولية، وقد كان شاهدًا ومشاركًا في محطات حاسمة. لقاءاته مع قيادات سياسية دولية من مختلف الاتجاهات، وقراءاته العميقة للنظام العالمي، تجعله مرجعًا لفهم التحولات الحالية.
الحوار مع الدكتور أيمن نور جاء نتيجة لطبيعة القضايا الحساسة المطروحة. فهو يمنح القارئ فرصة للغوص في تفاصيل تحليلاته التي تستحق التأمل بعيدًا عن قيود الوقت والإيقاع السريع للإعلام المرئي.
نص الحوار
كيف ترى عودة ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض؟
عودة ترامب إلى البيت الأبيض تمثل محطة فارقة في السياسة العالمية، ليس فقط بسبب سياساته الداخلية المثيرة للجدل، ولكن بسبب تأثيره العميق على العلاقات الدولية. ترامب يعيد تشكيل السياسة الأمريكية بناءً على رؤية قومية صارمة، تُركز على شعار “أمريكا أولًا”. هذه العودة تُعزز من نزعة الانعزالية الأمريكية، وتُعيد خلط أوراق التحالفات الدولية.
ما يميز ترامب هو منهجيته غير التقليدية، التي تعتمد على المواقف الصادمة والتصريحات المباشرة. هذا قد يجعل منه لاعبًا غير متوقع في الساحة الدولية، لكن هذا التوجه يضعف الثقة بالحلفاء التقليديين ويُشجع القوى المنافسة مثل الصين وروسيا على التوسع في مناطق النفوذ التقليدي للولايات المتحدة.
كيف يمكن أن تؤثر سياسة “أمريكا أولًا” على منطقة الشرق الأوسط؟
الشرق الأوسط كان دائمًا جزءًا أساسيًا من المصالح الأمريكية، لكن مع عودة ترامب، يمكننا أن نتوقع نهجًا أكثر براغماتية وربما أكثر عدوانية في المنطقة. ترامب يُركز على المكاسب الاقتصادية والأمنية المباشرة، ولا يُعير اهتمامًا كبيرًا للقضايا الإنسانية أو الديمقراطية.
على سبيل المثال، يمكننا أن نتوقع دعمًا أكبر لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية، وتجاهلًا واضحًا لأي مبادرات تسوية عادلة. في الوقت نفسه، الدول العربية ستكون مطالبة بتقديم تنازلات اقتصادية وأمنية أكبر لضمان استمرار الدعم الأمريكي. هذا النهج سيُعزز الانقسامات الإقليمية ويضعف قدرة العرب على التصدي للتحديات المشتركة.
كيف ترى تأثير التحولات العالمية الأخيرة على القضية الفلسطينية؟
القضية الفلسطينية كانت ولا تزال المؤشر الأهم على عدالة النظام الدولي واستقراره. للأسف، العالم اليوم يسير في اتجاه يُهمش حقوق الفلسطينيين، خاصة مع تصاعد النزعات القومية والشعبوية التي باتت تعيد صياغة التحالفات العالمية.
صفقة القرن، على سبيل المثال، لم تكن مجرد خطة لتصفية الحقوق الفلسطينية، بل كانت رمزًا لنهج جديد يعبر عن الترامبيزم الذي لا يعترف إلا بالمصالح الآنية. التحولات الأخيرة في النظام الدولي أضعفت الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، ودفعت الدول العربية نحو تطبيع غير مشروط، وهو ما أراه خطأً استراتيجيًا كبيرًا.
لكنني أؤمن أن الشعب الفلسطيني يمتلك قوة الصمود التي تُعجز حتى أقوى الأنظمة. ما نحتاجه الآن هو إعادة بناء الموقف العربي المشترك لدعم الحقوق الفلسطينية، ليس فقط من خلال الشعارات، بل عبر خطوات عملية تعيد القضية إلى صدارة الأجندة الدولية.
كيف ترى تأثير عودة ترامب على القضية الفلسطينية؟
عودة ترامب تعني، بلا شك، مزيدًا من الضغط على الفلسطينيين ومزيدًا من الدعم غير المشروط لإسرائيل. خلال ولايته الأولى، رأينا خطوات غير مسبوقة مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان. هذه السياسات لم تكن مجرد مواقف رمزية، بل كانت جزءًا من خطة أكبر لتصفية الحقوق الفلسطينية.
ما يُثير القلق الآن هو أن عودة ترامب قد تُعني خطوات أكثر حدة، مثل دعم الاستيطان بشكل علني،
أو حتى تعزيز مشاريع الضم التي كانت مطروحة خلال ولايته الأولى. لكن رغم هذه التحديات، أرى أن الفلسطينيين يمتلكون قوة الصمود التي تجعلهم قادرين على مواجهة هذه السياسات.
كيف ترى دور العرب في ظل هذه التحولات العالمية؟
الدور العربي، للأسف، أصبح هامشيًا في معظم الملفات الدولية. هناك انقسام حاد بين الدول العربية، وهو ما أضعف قدرتها على التأثير في النظام الدولي. بدلًا من بناء تحالفات إقليمية قوية، أصبحنا نرى تنافسًا بين الدول العربية نفسها.
ما نحتاجه اليوم هو مشروع عربي مشترك يُعيد ترتيب أولوياتنا. القضايا المشتركة، مثل الأمن المائي، والأمن الغذائي، والقضية الفلسطينية، يجب أن تكون على رأس الأجندة. إذا لم نتدارك هذا الوضع، سنظل مجرد أدوات تُستخدم لخدمة مصالح القوى الكبرى.
هل ترى أن المؤسسات الدولية ما زالت قادرة على تحقيق العدالة؟
المؤسسات الدولية تعيش اليوم أزمة شرعية. الولايات المتحدة، التي كانت الضامن الأكبر لهذه المؤسسات، أصبحت تتعامل معها بانتقائية شديدة. هذا التراجع في الدعم الأمريكي أدى إلى ضعف تأثير هذه المؤسسات، وجعلها عاجزة عن مواجهة التحديات الكبرى مثل تغير المناخ والأزمات الإنسانية.
في القضية الفلسطينية، نرى كيف أصبحت الأمم المتحدة عاجزة عن فرض قراراتها، بل حتى عن توفير حماية للشعب الفلسطيني. هذا الوضع يتطلب إصلاحًا جذريًا لهذه المؤسسات، يجعلها أكثر استقلالية وفعالية.
ما هي مسؤولية مصر تجاه القضية الفلسطينية في ظل هذه التحولات؟
مصر تحمل على عاتقها مسؤولية تاريخية تجاه القضية الفلسطينية، ليس فقط بحكم الجوار الجغرافي، ولكن أيضًا لكونها الدولة التي قادت أولى محطات النضال العربي من أجل فلسطين. للأسف، السياسة الخارجية المصرية في السنوات الأخيرة أصبحت أكثر انشغالًا بالأزمات الداخلية والإقليمية على حساب هذا الملف المركزي.
يجب أن تعود مصر إلى دورها الريادي في دعم القضية الفلسطينية. هذا يتطلب دبلوماسية نشطة تستهدف ليس فقط الضغط على القوى الكبرى، ولكن أيضًا بناء تحالفات دولية جديدة تُعيد توازن القوى في الصراع العربي الإسرائيلي. علينا أن نتذكر أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية شعب، بل هي قضية أمة بأكملها.
كيف يمكن تفسير التغيرات الأخيرة في السياسة الخارجية المصرية؟
السياسة الخارجية المصرية، كما أراها، أصبحت رهينة لمعطيات إقليمية ودولية معقدة. هناك تراجع واضح في استقلالية القرار المصري، وتوجه أكبر نحو الانحياز لبعض القوى الإقليمية والدولية على حساب المصالح الوطنية والقومية.
هذا التغير يظهر جليًا في إدارة ملفات حساسة مثل سد النهضة، والأزمات في ليبيا، والقضية الفلسطينية. على سبيل المثال، التعامل المصري مع أزمة سد النهضة يعكس ترددًا وتفككًا في الرؤية الاستراتيجية. مصر تحتاج إلى سياسة خارجية جريئة تُعيد تفعيل أدواتها التقليدية، مثل الدبلوماسية الإقليمية والعلاقات متعددة الأطراف
هل يمكن أن تعيد سياسات ترامب تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية؟
بالتأكيد. ترامب ينظر إلى التحالفات الدولية بمنظور الربح والخسارة، وهو ما يعني أنه قد يُعيد تشكيل خريطة التحالفات بناءً على المصالح الاقتصادية والسياسية. الدول التي تُقدم تنازلات أو مكاسب اقتصادية واضحة ستكون الأقرب إلى واشنطن، بينما الدول التي تُحاول الحفاظ على استقلالية قرارها قد تجد نفسها على هامش الاهتمام الأمريكي.
هذا النهج يخلق حالة من عدم الاستقرار، لأنه يُضعف التحالفات التقليدية ويُشجع الدول الإقليمية على البحث عن بدائل جديدة لتعويض غياب الدعم الأمريكي.
كيف يمكن لمصر أن تتعامل مع هذه التغيرات في السياسة الأمريكية؟
مصر بحاجة إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية بما يتناسب مع التحولات الجارية. علينا أن نفهم أن عودة ترامب تعني أن العلاقات الدولية ستصبح أكثر تعقيدًا. لذلك، يجب على مصر أن تُوازن بين علاقاتها مع الولايات المتحدة والقوى الدولية الأخرى مثل الصين وروسيا.
لكن الأهم من ذلك هو أن نُعيد بناء علاقتنا مع الدول العربية والإفريقية. هذه التحالفات الإقليمية هي التي ستُعزز من قدرتنا على مواجهة التحديات الدولية، سواء كانت اقتصادية أو سياسية.
كيف تؤثر النزعات الشعبوية على العالم العربي؟
الشعبوية ليست ظاهرة محصورة في الغرب، بل أصبحت تمتد إلى العالم العربي بأشكال مختلفة. هذه النزعات تُضعف الثقة بالمؤسسات، سواء كانت حكومية أو دولية، وتُعزز الانقسامات داخل المجتمعات.
في السياق العربي، الشعبوية تظهر في الخطابات التي تُركز على القومية الضيقة وتُهمش القضايا الكبرى مثل التنمية والعدالة الاجتماعية. علينا أن نكون واعين لهذا التحدي، وأن نعمل على بناء خطاب سياسي جديد يُركز على الوحدة والتعاون بدلًا من الانقسام.
كيف ترى مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية في ظل عودة ترامب؟
السياسة الخارجية الأمريكية مع ترامب ستكون أكثر براغماتية وأقل اهتمامًا بالقيم الليبرالية التي كانت تروج لها الولايات المتحدة في الماضي. هذا يعني أن واشنطن ستُركز على الصفقات الثنائية والمكاسب الآنية، دون الالتزام بمسؤولياتها التقليدية كقائد للنظام الدولي.
هذا النهج قد يُضعف المؤسسات الدولية ويُعزز النزاعات الإقليمية، لكنه في الوقت نفسه يُتيح للدول الأخرى فرصة لتعزيز نفوذها. لذلك، أرى أن العالم في ظل ترامب سيكون أكثر اضطرابًا، لكن أيضًا أكثر تعددية.
كيف يمكن للدول العربية أن تستفيد من التحولات الجارية في السياسة الأمريكية؟
التحولات الجارية تُتيح للدول العربية فرصة لإعادة ترتيب أولوياتها وبناء تحالفات جديدة. علينا أن نتعلم من دروس الماضي، حيث كنا نعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة دون أن نُطور أدواتنا الذاتية.
الدول العربية بحاجة إلى تبني سياسات أكثر استقلالية، تُركز على التكامل الإقليمي والتنمية المستدامة. علينا أن نستثمر في بناء قدراتنا الاقتصادية والسياسية، وأن نُعيد تعريف دورنا في النظام الدولي بما يتناسب مع مصالحنا القومية.
كيف ترى دور القوى الدولية الأخرى مثل الصين وروسيا في ظل عودة ترامب؟
عودة ترامب تُشكل فرصة كبيرة للصين وروسيا لتعزيز نفوذهما في النظام الدولي. الصين تُركز على توسيع مبادرة الحزام والطريق، بينما تُحاول روسيا تعزيز وجودها في مناطق النزاع مثل الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية.
لكن هذا لا يعني أن هذه القوى ستكون بديلًا مثاليًا للولايات المتحدة. علينا أن نكون حذرين في التعامل معها، وأن نُركز على بناء شراكات متوازنة تُحقق مصالحنا دون أن تُعرضنا للابتزاز أو الاستغلال.
وأخيرا.. في هذا الحوار الممتد، قدم الدكتور أيمن نور رؤية شاملة وعميقة للتحولات الجارية في السياسة الدولية وتأثيرها على المنطقة العربية. بين قراءة دقيقة لعودة ترامب، وتحليل استراتيجي لتحولات السياسة الخارجية الأمريكية، يُظهر الحوار كيف يمكن للدول العربية أن تتعامل مع هذا الواقع الجديد.