مصرمقالات ورأى

المعتصم الكيلاني : فيتو روسيا أداة لتعطيل العدالة وتعميق الأزمة الإنسانية في السودان

المعتصم الكيلاني- المختص في القانون الجنائي الدولي

في خطوة أثارت انتقادات واسعة، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار يهدف إلى حماية المدنيين و ادانة الانتهاكات المرتكبة من قبل مليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر شمال دارفور،

التي تشهد تصعيداً عسكرياً خطيراً . القرار، الذي حاز على تأييد 14 دولة، يدعو إلى إنهاء الهجمات على المدينة ورفع الحصار عنها، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، لكن اعتراض روسيا أوقف أي تقدم في هذا الملف .

انتهاكات الدعم السريع في الفاشر: أرقام وشهادات

تُعتبر مدينة الفاشر نقطة مركزية للأزمة الإنسانية في إقليم دارفور، إذ تعرضت خلال الأشهر الأخيرة لهجمات عنيفة من قوات الدعم السريع، تضمنت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وفقاً لتقارير منظمة “أطباء بلا حدود”، تعرض المستشفى الجنوبي بالمدينة، وهو المركز الطبي الأساسي، لهجوم مباشر من قوات الدعم السريع في مايو 2023،

ما أدى إلى خروجه عن الخدمة تماماً. هذا التطور ترك عشرات الآلاف دون رعاية صحية وسقوط المئات بين قتلى و جرحى جراء تلك الهجمات .

من جهة أخرى، تُظهر البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة أن حوالي 130 ألف شخص نزحوا قسراً من المدينة بسبب الهجمات. كما أفادت تقارير إنسانية بوقوع عمليات نهب واسعة النطاق للمنازل والمرافق العامة، مما أدى إلى انهيار شبه كامل للخدمات الأساسية .

الانتهاكات المرتكبة: تصعيد خطير وتهديد للمدنيين

أثارت الانتهاكات في الفاشر مخاوف كبيرة من تطور النزاع إلى صراع عرقي واسع النطاق. الوثائق الدولية تشير إلى استهداف المدنيين بشكل مباشر من قبل قوات الدعم السريع، بما في ذلك حالات الإعدام الميداني، والعنف الجنسي، واستخدام القصف العشوائي.

هذه الجرائم لم تتوقف عند الحصار العسكري بل امتدت لتشمل تدمير الممتلكات ونهب المساعدات الإنسانية، مما يعمق الكارثة الإنسانية في المنطقة .

إلى جانب هذه الانتهاكات، حذرت الأمم المتحدة من تفاقم أزمة الغذاء والمياه، حيث يواجه أكثر من 25 مليون شخص في السودان مستويات حادة من الاحتياجات الإنسانية، مع اعتبار الفاشر مركزاً لهذه الأزمة .

التدخل الروسي: أبعاد سياسية وجيوسياسية

من منظور سياسي، يعكس الفيتو الروسي موقفاً استراتيجياً يدعم حلفاء محليين مثل قوات الدعم السريع، التي تُعتبر شريكاً ضمن شبكات النفوذ الروسية في أفريقيا. التواجد الروسي في القارة، المتمثل بشكل رئيسي في شركات مثل “فاغنر”، يركز على تحقيق مكاسب اقتصادية وجيوسياسية، تشمل السيطرة على الموارد الطبيعية ودعم الأنظمة والمجموعات التي تتيح لروسيا دوراً أكبر في المنطقة .

تعطيل مجلس الأمن الدولي: أثر الفيتو الروسي

حق النقض، الذي كان أداة لحفظ توازن القوى في النظام الدولي، أصبح اليوم سبباً في تعطيل الجهود الأممية لحل النزاعات. استخدام روسيا المتكرر للفيتو في قضايا إنسانية يبرز الحاجة إلى إعادة النظر في آلية اتخاذ القرار داخل مجلس الأمن. هذه التعطيلات تُظهر مدى هشاشة النظام الأممي أمام الحسابات السياسية للدول الكبرى، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمات دون حلول فعالة .

إصلاح منظومة الفيتو: مطلب دولي

لا يمكن إنكار الحاجة الملحة إلى إصلاح منظومة الفيتو لضمان دور أكثر فاعلية للأمم المتحدة في التعامل مع النزاعات. الإصلاح قد يشمل وضع قيود على استخدام الفيتو في القضايا الإنسانية، أو توفير بدائل تمكّن المجلس من التحرك في ظل اعتراض دولة واحدة. مثل هذه الإصلاحات أصبحت ضرورية مع تزايد الانقسامات الجيوسياسية التي تُعطل قدرة الأمم المتحدة على تحقيق أهدافها الأساسية .

إن الوضع في مدينة الفاشر يُجسد أزمة إنسانية وسياسية عميقة، حيث يتداخل النزاع المحلي مع المصالح الدولية، مما يضعف قدرة الأمم المتحدة على أداء دورها. استمرار الانتهاكات ضد المدنيين من جهة، وتعطيل القرارات الأممية من جهة أخرى، يُهددان بجعل السودان بؤرة دائمة للصراع وعدم الاستقرار. الحاجة إلى العمل الجماعي لإيقاف هذه الكوارث أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button