تقاريرحوادث وقضايا

اعتقالات تعسفية لأهالي المطرية بعد احتجاجات على طريق الموت

في تطور خطير ومثير للقلق أصدرت نيابة شمال الدقهلية قرارًا بحبس خمسة من أهالي منطقة المطرية بمحافظة الدقهلية من بينهم طفل لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق بعد توجيه تهم خطيرة بالتحريض على التجمهر والتظاهر

يأتي ذلك في سياق الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المنطقة مؤخراً على خلفية حادث مأساوي أسفر عن وفاة 13 شخصًا وإصابة 22 آخرين ورغم الإفراج عن 23 شخصًا آخرين بكفالة مالية، إلا أن هذا الإجراء لم يهدأ من حالة الغضب والاحتقان بين الأهالي الذين رأوا في الحادثة تكرارًا لإهمال الدولة وغياب العدالة على طريق الموت

بدأت القصة يوم السبت الماضي عندما خرج أهالي المطرية إلى الطريق الرابط بين منطقتهم ومدينة بورسعيد في تجمهر احتجاجي للمطالبة بوقف عبور سيارات النقل الثقيل على الطريق وإنارته بشكل أفضل بعد الحادث الجسيم الذي وقع يوم الأربعاء 13 نوفمبر 2024 وأسفر عن الكارثة التي أودت بحياة الأبرياء وأصابت العشرات في مشهد مؤلم هز قلوب الجميع

الحادث المأساوي أثار حالة من الحزن العميق والغضب العارم بين الأهالي الذين فقدوا أصدقاءهم وجيرانهم في الحادثة وأمام هذا الغضب كان التجمع الاحتجاجي هو الطريقة التي عبر بها السكان عن رفضهم لاستمرار هذا الوضع الكارثي ولكن بدلًا من أن تستجيب السلطات لمطالبهم المشروعة وتبدأ في معالجة الأوضاع قررت مواجهة الاحتجاج بالقمع والاعتقالات الجماعية

قوات الأمن سارعت إلى التواجد في موقع الاحتجاج واعتقلت 29 شخصًا من المشاركين بينهم عمال وأبناء المنطقة الذين خرجوا تعبيراً عن تضامنهم مع أسر الضحايا ورغبتهم في منع تكرار الحادث ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد حيث واجه الأهالي سلسلة من التهم الخطيرة التي شملت قطع الطريق والتجمهر بدون تصريح والتعدي على قوات الأمن وحتى إشعال النار وإحراق إطارات السيارات وهي تهم يراها الكثيرون محاولة لشيطنة الاحتجاج السلمي وقمع الأصوات المطالبة بالإصلاح

محامي الدفاع عن الأهالي حسن الملهاط كشف أن النيابة استندت في توجيه التهم إلى تحريات قطاع الأمن الوطني التي أشارت إلى أن المتهمين ليس لهم أي انتماءات سياسية أو حزبية سواء داخل مصر أو خارجها وهو ما يعكس الطابع الشعبي والعفوي للتجمع الاحتجاجي الذي قام به أهالي المطرية ويدحض الرواية الرسمية التي حاولت تصوير الموقف على أنه عمل منظم لزعزعة الاستقرار في المنطقة

تأتي هذه الاحتجاجات في سياق عام يشهد فيه المواطن المصري تزايدًا في حوادث الطرق القاتلة حيث بلغت حالات الوفاة الناتجة عن حوادث السير في مصر في عام 2023 فقط نحو 5861 حالة وهو رقم صادم يعكس حجم الكارثة التي يواجهها المواطنون على الطرق المصرية في ظل غياب الرقابة الفعالة وعدم اتخاذ الإجراءات الكافية لحماية الأرواح

المواطنون في المطرية خرجوا لأنهم تعبوا من تجاهل مشكلاتهم وغياب الحلول الحقيقية الطريق الذي شهد الحادثة كان يعاني منذ فترة طويلة من الإهمال وسوء الصيانة وغياب الإنارة المناسبة وهو ما جعل من عبور سيارات النقل الثقيل على هذا الطريق كارثة حتمية خصوصاً مع عدم وجود ضوابط حازمة لتنظيم حركة المرور أو صيانة الطريق بشكل دوري

ورغم هذه الحقائق المأساوية تأتي تحركات السلطات متأخرة وغير مجدية فبدلًا من العمل على تحسين أوضاع الطريق والاستجابة لمطالب الأهالي يبدو أن الحكومة اختارت الحل الأسهل وهو القمع والترهيب والاعتقالات الأمر الذي يزيد من الفجوة بين السلطة والمواطنين ويعمق الشعور بعدم الثقة والإحباط

الأهالي الذين واجهوا النيابة في التحقيقات أكدوا أنهم لم يكونوا يسعون إلى إشعال الفوضى أو التعدي على قوات الأمن وإنما كانوا متضامنين مع ذويهم الذين فقدوا أرواحهم في الحادث وكانوا يطالبون بحلول فعلية لمنع تكرار هذه الكارثة في المستقبل كما أن احتجاجهم جاء نتيجة لتراكم الغضب من الإهمال المستمر والظروف التي جعلت من طرقنا ساحة مفتوحة لحوادث الموت اليومية

الحادث الأخير ليس سوى واحد من سلسلة طويلة من حوادث الطرق المأساوية التي تشهدها مصر بشكل متزايد ومع ذلك لا يبدو أن هناك تغييرًا حقيقيًا في نهج الدولة نحو تحسين البنية التحتية أو تعزيز معايير الأمان على الطرق وكأن حياة المواطنين لم تعد تحتل مكانة في أولويات الحكومة

اليوم يقف أهالي المطرية في مواجهة قمعي غير مبرر بينما هم في الواقع ضحايا حقيقيون لإهمال متواصل وانعدام العدالة الطريق الذي شهد مصرع أحبائهم لا يزال كما هو والإجراءات التي اتخذتها الدولة حتى الآن لم تسفر عن تغيير ملموس يقي المواطنين شر حوادث الطرق اليومية التي تحصد الأرواح بلا هوادة

هي أن الاحتجاجات التي شهدتها المطرية ليست سوى صرخة جماعية في وجه الفساد والإهمال ولكن بدلاً من أن تجد هذه الصرخة آذاناً صاغية وجدت القبضة الأمنية حلاً جاهزاً في مواجهة كل من يرفع صوته مطالبًا بالتغيير ومع هذه الممارسات القمعية يتزايد الإحباط وتتعمق الأزمة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى