في قلب صمتٍ مطبق وحكومة غافلة، يعيش أهالي قرية الدويرات في مركز المنشأة بمحافظة سوهاج معاناة لا تنتهي، ورغم أنهم قد ناشدوا جميع المسئولين ورفعوا الشكاوى لعلهم يجدون من يمد لهم يد العون، إلا أن أحوالهم تزداد تدهورًا يومًا بعد يوم. لا شيء يلوح في الأفق إلا مزيد من التهميش والإهمال والتقاعس الحكومي الذي لا يرحم.
منذ سنوات طويلة، تواجه مدرسة الدويرات بمراحلها التعليمية المختلفة مشكلة كبيرة في نقص المعلمين، حيث لا يوجد عدد كافٍ من الأساتذة لتدريس المواد الأساسية. ورغم تقليص الكثافة في الفصول بناءً على قرار حكومي قد يكون صدر من باب المجاملة أو تحت ضغوط معينة، لم يكن هناك أي جهد حقيقي لضمان توفير المعلمين في البداية. قرار وزير التربية والتعليم لم يكن سوى ضربًا من التوقعات غير المدروسة التي لم تأخذ بعين الاعتبار الاحتياج الحقيقي للمعلمين في تلك المدارس. النتيجة كانت، ولا تزال، تعليمًا مكسورًا وحياة مدرسية صعبة للغاية للطلاب، مع استمرار النقص المروع في كل سنة دراسية.
لكن المشكلة لا تقف عند هذا الحد. فحتى الخدمات الأساسية التي من المفترض أن تكون حقوقًا بسيطة للمواطنين، أصبحت حلمًا بعيد المنال بالنسبة لأهالي القرية. الطرق في حالة يرثى لها، حيث لا يمكن للمواطنين التنقل بشكل آمن داخل القرية، وهو ما يزيد من خطر وقوع الحوادث، خصوصًا في حالات الطوارئ التي تتطلب نقل المرضى إلى المستشفيات. المشاريع المتوقفة والصرف الصحي المتعثر يزيد من معاناتهم بشكل يومي. الطرق التي تم تدميرها بسبب مشروعات الصرف الصحي لم تكتمل بعد، وأصبحت مضمارًا للحفر والمخاطر.
ومع تدهور الظروف المعيشية، يتساءل أهالي الدويرات: أين الرقابة على الأسعار؟ يتعرضون يوميًا للاستغلال من قبل تجار اللحوم والفواكه والخضراوات الذين يحتكرون الأسواق ويزيدون الأسعار بشكل فاحش دون حسيب أو رقيب. يظل المواطنون يئنون تحت وطأة تلك الأسعار التي لا ترحمهم، في وقت لا يمكن فيه للمتاجر التي يتعاملون معها أن تقدم لهم سلعًا تتناسب مع دخلهم المحدود.
أما عن المياه، فالوضع أكثر كارثية. فخزان مياه الشرب في القرية تم بناؤه منذ أكثر من 15 سنة، وأصبح غير صالح للاستخدام الآدمي، مما يهدد حياة الأهالي يوميًا. ورغم الوعود المتكررة، لا توجد أي حلول حقيقية لمعالجة هذه المشكلة.
والمزيد من الإهمال يتجلى في مشروع المركز النموذجي التكنولوجي الذي كان من المفترض أن يكون نقطة تحول في تقديم الخدمات للمواطنين. المركز الذي يضم مكاتب للتموين والسجل المدني والأحوال المدنية وغيرها من الخدمات الأساسية، بقي مغلقًا رغم اكتمال بنائه منذ أكثر من سنة ونصف. فالمشروع الذي كان يعده الأهالي بارقة أمل تحولت إلى سراب، وكل ما تبقى هو انتظار بلا جدوى.
لا يزال الأهالي ينتظرون تدخلاً عاجلاً من المسئولين بعد أن ضاقت بهم السبل، لكن المسؤولين يبدو أنهم غارقون في مشاريع أكبر من حجمهم ولا يكترثون لمشاكل هؤلاء المواطنين الذين يئنون في صمت. محاولات الأهالي لرفع صوتهم عبر القنوات المختلفة كانت تذهب أدراج الرياح، وكلما حاولوا إيصال شكواهم، وجدوا أبواب المسئولين مغلقة في وجوههم.
أما خدمات الصحة، فقد أصبحت ملاذًا لليأس. الوحدة الصحية في القرية لا تملك طبيبًا دائمًا، حيث يعمل الطبيب لساعات معدودة فقط في اليوم، وفي بعض الأحيان لا يأتي على الإطلاق. المستشفيات التي كان من المفترض أن تخدم المواطنين مثل مستشفى قروى الدويرات ومستشفى الخنانسة ومستشفى أولاد على، كلها جاهزة ولكنها مغلقة، ولا أحد يعرف السبب الحقيقي وراء تعطل تشغيلها. هذا فضلاً عن أن الوحدة البيطرية في القرية لا تقدم أي خدمات تذكر، والمواطنون في حاجة ماسة للخدمات الطبية الأساسية التي أصبحت حلمًا بعيد المنال.
وفي المدارس، الوضع لا يختلف كثيرًا. المدارس التي تعتبر معقل التعليم في القرية تعاني من نقص حاد في المعلمين والمرافق. مدرسة عمر بن عبد العزيز الابتدائية تعاني من تعطل دورات المياه ونقص الأدوات الأساسية، أما مدرسة الدويرات الإعدادية فلا تختلف حالها، حيث تعاني من نفس المشكلات. أما المساجد، فيكاد يكون وجود الأئمة فيها غير مستمر، حيث يتم الاستعانة بعامل واحد لإمامة ثلاث مساجد في وقت واحد، في وقت يعاني فيه المواطنون من نقص في الخدمات الأساسية التي تحتاجها حياتهم اليومية.
إذا كان هناك أي منطق في الحكومة، فإن ما يحدث في قرية الدويرات هو نموذج واضح للفشل الحكومي في جميع المجالات. من نقص المعلمين إلى الفوضى في الأسواق، مرورًا بإهمال البنية التحتية والتقاعس في تقديم الخدمات الصحية، هناك صورة كارثية تتكشف يومًا بعد يوم عن النظام الذي يفترض أن يحرص على تقديم أبسط حقوق المواطن. كل هذا يحدث في وقت يزداد فيه الشعب جوعًا وحرمانًا، وسط حكومة لا تبالي بما يجري في الأرض.