تعيش مدينة الإسكندرية كارثة جديدة نتيجة التقاعس الحكومي والفساد المستشري في أجهزة الدولة مع استمرار موجة الطقس السيئ التي ضربت السواحل الشمالية مساء يوم الاثنين، حيث ترافقت الأمطار الغزيرة مع رياح شديدة وانخفاض حاد في درجات الحرارة، كل هذا حدث بينما كان من المفترض أن تكون الأجهزة المعنية في أعلى درجات الاستعداد لمواجهة هذا التحدي الطبيعي.
ورغم الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمواطنين، فإن الحكومة تصر على تجاهل ما يحدث، بل تبدو عاجزة عن اتخاذ خطوات فاعلة لمنع تكرار هذه الكوارث التي تصبح أكثر شدة كل عام.
منذ الساعات الأولى من اليوم، اجتاحت الأمطار الغزيرة شوارع الإسكندرية، لتتحول الطرق إلى مستنقعات وممرات مائية يصعب عبورها.
مع غياب كامل للتنظيم والإعداد لمواجهة هذه الظاهرة التي تتكرر مع كل موسم شتوي، ووسط هذا الفشل الواضح نجد أن الحكومة لا تزال تُكرر نفس الوعود دون أن تقدم حلولًا جذرية للمشاكل المتراكمة.
فما يحدث اليوم هو تكرار لسيناريوهات سابقة من الفشل الحكومي الذي يعكس حجم التقاعس في التعامل مع الأزمات.
وفي وسط هذه الفوضى، تم الإعلان عن رفع درجة الاستعداد القصوى في كافة أحياء المحافظة، لكن ذلك لم يكن سوى إعلان فارغ يخلو من أي مضمون عملي.
فبينما كانت الطرق غارقة في المياه، وبقيت الحركة المرورية معطلة، فإن أجهزة الحكومة لم تتخذ أي إجراءات حقيقية لوقف الكارثة.
كل ما تم فعله هو إصدار أوامر غير ملزمة لفرق العمل بالتحرك في الشوارع دون أن يتم رصد أي حلول جوهرية تساهم في تخفيف وطأة هذا الحدث.
هذا التحرك الباهت والفاقد لأي جدوى يؤكد مرة أخرى كيف أن المسؤولين في الدولة لا يكترثون للمواطنين الذين يعانون من الإهمال.
فنظام التنسيق بين الأجهزة المعنية كان مفقودًا تمامًا، والأدهى من ذلك أن المواطنين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى مواجهة تداعيات الطقس السيئ بمفردهم، بينما الحكومة تتجاهل وضعهم وتكتفي بالكلمات الفارغة التي لا تعني سوى المراوغة.
وفي الوقت الذي كانت فيه شوارع الإسكندرية تغرق، كان من المفترض أن تتعاون الشركات المعنية بتصريف مياه الأمطار وتنظيف الشوارع بشكل فاعل، لكن الحقيقة هي أن شركات الصرف الصحي والنظافة كانت هي الأخرى في حالة من الفوضى والعجز.
وعلى الرغم من التنسيق المزعوم بين مختلف الهيئات والجهات المعنية، فإن النتيجة كانت كارثية تمامًا، حيث بدت الشوارع غارقة في المياه دون أي تحرك حقيقي لإنقاذ الوضع.
والمثير للدهشة أن بعض هذه الشركات، التي من المفترض أن تكون في صدارة الجهود، كانت تقدم دعمًا محدودًا للغاية ولا يتناسب مع حجم الأزمة.
من جانب آخر، جاء الحديث عن الدفع بـ180 سيارة فقط من قبل شركة الصرف الصحي لتنظيف الشوارع والأنفاق، وكأن العدد المذكور كافٍ لتصريف مياه الأمطار من جميع شوارع الإسكندرية.
الحقيقة أن هذا العدد لم يكن إلا قطرة في بحر من المياه المتراكمة التي دمرت الطرق والمنازل وتسببت في إرباك الحياة اليومية للسكان.
فما هو أبعد من هذا هو أن الوضع لم يشهد تحسنًا يذكر رغم هذه المحاولات الفاشلة، مما يؤكد حجم الفشل الذريع في إدارة الأزمات.
ولا يمكننا هنا أن نتغاضى عن الدور المريب الذي تلعبه بعض الشركات التي تقدم نفسها على أنها في صدارة الجهود المبذولة، لكنها في الواقع لا تملك القدرة على القيام بما هو مطلوب.
فالتقارير الإعلامية تتحدث عن جهود الشركات في تقديم الدعم، لكن في الواقع، يبقى الوضع على حاله دون أي تحسن يذكر. فما تفعله هذه الشركات لا يعدو كونه محاولة تلميع صورتها الإعلامية على حساب المواطنين الذين يواجهون الغرق في شوارع مدينتهم.
ومع تصاعد الأزمة، تظل الأسئلة بلا إجابات: أين ذهبت الميزانيات المخصصة لمواجهة مثل هذه الكوارث؟ لماذا لم يتم تطوير بنية تحتية قادرة على مواجهة الطقس السيئ؟ ولماذا لا توجد خطط طويلة الأمد لتفادي ما يحدث الآن؟ الواقع يشير إلى أن الحكومة المصرية لا تملك أي خطة حقيقية لمواجهة الأزمات المتكررة، بل تقتصر على الردود السطحية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
بل إن الفساد المستشري في القطاعات الحكومية يساهم بشكل كبير في تعميق هذه الأزمات، حيث يتم تخصيص الأموال دون رقابة حقيقية، ويتحول ما كان من المفترض أن يكون استثمارًا في تحسين البنية التحتية إلى مجرد أرقام في حسابات الفساد.
ويستمر المواطنون في الإسكندرية في دفع الثمن، حيث يعانون من انقطاع المرافق ودمار الشوارع وعدم وجود خطة واضحة لمواجهة الأزمات المقبلة.
المشهد الذي يعيشه المواطنون اليوم هو نتيجة حتمية للسياسات الفاشلة التي تنتهجها الحكومة، والتي تضع على المحك حياة الآلاف من المواطنين.
إنه من العار أن تصبح مدن بأكملها عرضة للغرق مع أول موجة شتوية، ومن العار أن تبقى الحكومة المصرية غافلة عن هذا الخطر، بل مستمرة في تكرار أخطائها دون أن تحاسب نفسها على هذه الكوارث المتكررة.