تقاريرمصر

حكومة مدبولي تدمّر تاريخ آل طباطبا وتغرق إرث أسباط النبي

في مشهد فاضح يفضح تقاعس الحكومة المصرية وفسادها الممنهج، تم هدم معلم تاريخي فريد وتهديد إرث ديني وثقافي ضارب في أعماق التاريخ.

في قلب القاهرة، حيث دُفن أحفاد النبي في مشهد “آل طباطبا”، كان من المفترض أن يحتفظ المصريون بمقبرة أسباط رسول الله كرمز من رموز الأمة الإسلامية وعراقتها.

ولكن بدلًا من ذلك، كان مصير هذا الأثر العظيم هو الإهمال، والتدمير، والنقل إلى موقع جديد يفتقر لأي احترام لقدسية المكان وتاريخه.

لطالما كان مشهد آل طباطبا أحد الأماكن الأكثر احترامًا في مصر، فهذه المقبرة لم تكن مجرد مكان للدفن بل كانت محط أنظار الزائرين من كل حدب وصوب. على مر العصور، كانت تحوي رفات علماء وصالحين من أسرة النبوة الذين قدموا حياتهم لخدمة الدين الإسلامي ونشر علومه.

لكن اليوم، هذا الأثر الذي يربو عمره على ألف عام، يشهد على كارثة تاريخية تُضاف إلى سجل الحكومة الحالية من الإهمال، والتخريب، والفشل المتعمد في الحفاظ على التراث.

المشروع “الترفيهي” وتدمير الذكرى

في يوم 26 مارس 2022، أعلنت الحكومة عن نقل مشهد آل طباطبا إلى موقع جديد بمشروع يطلق عليه “بحيرة القاهرة”، وهو مشروع تجاري ضخم يضم حدائق، ملاهٍ، وأماكن ترفيهية لا علاقة لها بالتاريخ أو التراث. ليس فقط تم هدم المكان، بل تم نقل الأثر الذي يزخر بتاريخ طويل من العطاء، إلى مكان يعج بالصخب التجاري والأنشطة الترفيهية التي لا تشرف الإرث الديني. والكارثة أن المياه الكبريتية التي تحيط بالموقع الجديد أضاعت جزءًا كبيرًا من مكان المقبرة، تاركةً ثرى الأجساد الطاهرة غارقًا في المياه، ولا أحد يتحرك.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: أين رفات آل بيت رسول الله؟ هل تم نقل الأجساد الطاهرة التي ناضلت وصمدت طوال قرون من الزمن؟ الحقيقة المحزنة أن الحكومة تجاهلت تمامًا هذا الجانب، إذ نقلت الأثر فقط دون التفكير في السحب والتوثيق السليم لثرى الأموات الذي عانى عقودًا من الغرق في مياه عين الصيرة، وتدني مستوى الحماية للموقع الأصلي. لا ترميم ولا اهتمام حقيقي بمكانهم التاريخي.

فساد الحكومة: الاهتمام بالتجارة على حساب التاريخ

لا يمكن لأي عقل أن يتصور أن هذا التدمير المقصود وقع في زمن الحكومة الحالية التي تروج لمشروعاتها الإنشائية على حساب الهوية الثقافية للأمة. تلك المشروعات التي لا تُكلف الحكومة نفسها عناء التفكير في احترام القيم الدينية، بل تفضل أن تدمّر ما تبقى من التراث من أجل مشاريع تجارية تدر عليها أرباحًا مادية على حساب الشعب.

مشهد آل طباطبا لم يكن مجرد مكان للدفن، بل كان رمزًا للتاريخ الإسلامي في مصر. تاريخ طويل من الصدقات، والعبادات، والدعوات التي رافقت هذا المكان لأجيال طويلة. لكن الحكومة المصرية لم تعر ذلك أي اهتمام، بل سارعت إلى تحويله إلى جزء من مشروع تجاري، في سعيها المتواصل نحو تحقيق مكاسب سريعة في ظل غياب الإرادة السياسية لحماية التراث الثقافي.

مباركة الشعب المصري للآل وتهديد بقاءهم

على مدار عقود طويلة، كان المصريون يزورون هذا المشهد المبارك من أجل التبرك ودعاء الله. كان المكان مقصدًا للناس لطلب العون، لطلب الشفاء، ولحصول البركة. لكن اليوم، أصبح المواطن المصري مجرد شاهد على جريمة تمت بحق تاريخه وكرامته. أين ذهبت تلك الروح الطيبة التي سادت في المكان، تلك الروح التي كان يرفرف فيها الأمل والرغبة في الاستجابة؟

أين هو ذلك الاحترام الذي كان يقدمه المصريون من كل الأجيال لأبناء آل بيت النبي؟ اليوم، تجول السياح في المناطق الترفيهية حول مشهد آل طباطبا دون أي اعتبار لما دُفن هناك من أقدار عظيمة ومن إرث عظيم.

إغلاق البوابات، إخفاء الحقائق، وتغيير التاريخ

ومع افتتاح المشروع الترفيهي، كانت هناك محاولة واضحة لإخفاء التاريخ وتدميره، وذلك عندما تم إغلاق بوابة دخول الزوار على الموقع القديم. فحين قرر الصحفيون محاولة الوصول إلى حقيقة ما يحدث، كانوا يواجهون حواجز أمنية، وتهربًا واضحًا من المسؤولين، لا سيما عندما تعلق الأمر بسؤال حول المكان الأصلي للآثار. وكان هناك شعور متزايد بالريبة من مجرد الحديث عن موقع آل طباطبا، وكأن الحديث عن هذا التاريخ هو خطأ يجب تغطيته.

كانت هناك شهادات من أهالي المنطقة الذين أكدوا أن مكان بوابة الدخول الجديدة هو ذاته الموقع الذي كان يحتفظ بالآثار الأصلية لمقبرة آل طباطبا، وهذا ما يعكس ببساطة كيف أُزيلت الحقائق وحُجبت لتغطية الفشل الكبير.

ما الحل؟

الحل لا يأتي إلا بالاعتراف بالجريمة، وبالعودة إلى الأصل. يجب أن تُقام لجنة تاريخية متخصصة للحفاظ على آثار آل طباطبا وترميم المكان الذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية والتاريخية للمصريين. الحكومة يجب أن تتحمل مسؤوليتها عن هذه الجريمة التاريخية وأن تعمل على استعادة تلك الآثار وتوفير الحماية الكافية لها.

مصر لا يمكن أن تُهان بهذا الشكل، ولا يجوز أن تمر هذه الجريمة دون محاسبة. يجب على الشعب المصري أن يرفع صوته ليرد الاعتبار لمقابر آل طباطبا ولإرث آل البيت الذي لا يحق لأي حكومة تدميره من أجل مصالح تجارية ضيقة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى