الحراك الطلابي في مصر..من نطاق الحرية إلى القبضة الأمنية
لطالما كان الحراك الطلابي في الجامعات المصرية يُمثل تهديدا لاستقرار النظام لما يتمتع به الطلبة من تنظيم حماسة ووعى ثقافي وحقوقي وسياسي في كثير من القضايا عن باقى الفئات الشعبية الأخرى، لذلك كان على النظام السياسي القائم في كل حقبة زمنية أن يتدخل في انتخابات اتحاد الطلاب بالجامعات ويرشح على القوائم طلبة موالين له لإخماد أى حراك ثوري أو نشاط طلابي قد يؤثر على استقراره وأمنه.
في عهد عبد الناصر اتسعت دوائر المطالب وامتدت إلى الحريات وشكل النظام، إلى قلب السلطة الناصرية عليهم، فألقت القبض على قياداتها عام 1968، لتنفجر المظاهرات من جديد تطالب بالإفراج عن الطلبة المعتقلين، حتى أن قائد الطيران في ذلك الحين اللواء مصطفى الحناوي قال في حوار سابق مع مجلة “روز اليوسف” أن عبدالناصر أمر بضرب الطلبة المحتجين ضده في الاسكندرية بالنيران بواسطة المروحيات، لأن هؤلاء الطلبة سيعملون على اسقاط حكمه، لكن هذا اللواء رفض الأوامر بشكل قاطع مما أدى لعزله لاحقًا من قبل عبد الناصر.
ومع احتدام المواجهات، تراجع مجلس الوزراء برئاسة جمال عبد الناصر، واتخذ قرارًا بإلغاء الأحكام التي صدرت بحق الطلبة، وإحالة القضية إلى محكمة عسكرية عليا أخرى، واستجاب لمطالب الطلبة الخاصة بإعطاء مزيد من الاستقلال والفاعلية وحرية الحركة لاتحاداتهم والسماح لهم بالعمل السياسي.
السادات ومحاولات السيطرة
ذكر عبد المنعم أبو الفتوح ورئيس حزب مصر القوية والمحبوس حاليًّا في مصر في كتابه: “عبد المنعم أبو الفتوح.. شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية”، إن السادات كان يرغب بالفعل في السيطرة على الحركة الطلابية الإسلامية وتوظيفها لصالحه في السبعينيات” وف الآخير وعندما عجز السادات أن يطوع الحراك الطلابي لصالحه لجأ إلى التقويض، بإصدار لائحة 79 التي ألغى من خلالها اتحاد طلاب الجمهورية، في محاولة لاغتيال الحركة الطلابية، كما ألغى اللجنة السياسية في اتحادات الطلاب وحرم كل أشكال العمل السياسي داخل الجامعة.
بعد اغتيال السادات عام 1981، وتولى مبارك السلطة شاركه هو الأخر الخوف من الحركة الطلابية، وكان ذلك نواة قراره بتعديل لائحة 79 الصادر عام 1984، وبموجب هذا القرار اعتمد مبارك، قرار السادات بإدخال “الأمن الجامعي” إلى حرم الجامعة، وبالطبع لم يكن يتوقف دوره على حماية منشآت الجامعة فقط بل تجاوزه إلى ما يمكن تسميته بـ”الشرطة الأخلاقية والسياسية” داخل الجامعة، وبات من حقه اعتقال وشطب المعارضين للسلطة من الانتخابات والتضييق عليهم، دون محاسبة من أحد.
ومع ثورة 25 يناير ذابت الحركة الطلابية في جموع المصريين بورغم ذلك كان لها معارك سجلت باسمها وسيظل التاريخ شاهدًا عليها، كان في مقدمتها بالطبع، طرد الحرس الجامعي تنفيذًا لحكم القضاء الإداري الذي جاء تتويجًا لنضال الطلاب في هذه القضية.
الحراك الطلابي في عهد السيسي
منذ وصول الرئيس السيسي إلى السلطة في مصر عام 2013. انقطعت انتخابات اتحادات الطلبة لمدة عامين، ثم جرت مرة أخرى في 2015، لكن وفقا لخارطة النظام الجديد، الذي أرادها أن تكون صورية فقط، وخالية من أي منافسة حقيقية أو أصوات معارضة. وكلمة السر في طلاب من أجل مصر.
بدأ ظهور حركة طلاب من أجل مصر مع احتفالات جامعة القاهرة بذكرى انتصارات حرب أكتوبر، في 2017، كمبادرة طلابية تعمل من أجل خدمة الجامعات، ولأجل خدمة أهداف التنمية المستدامة، وقد قال مؤسسها عمرو مصطفى٬ عميد كلية الزراعة بجامعة القاهرة، إنه اقترح فكرتها على إدارة القاهرة ووافقت عليها، ثم عرضتها على إدارات جامعات حكومية مختلفة، فرحبت بانطلاقها لديها.
تبنى الأمن الحركة ودعمها عن باقى الحركات الطلابية وفتح لها ندوات تثقيفية تنظمها القوات المسلحة، ومؤتمرات الشباب، ومنتدى شباب العالم، وهناك امتيازات خاصة تُمنح لمَن يفوز بعضوية طلاب من أجل مصر منها أولوية الحصول على المنح الدراسية، وعند مقابلة المسؤولين أو تمثيل الكلية يُختار ممثلو الطلاب منها، وصولًا لمعرفة طلابها أولًا بالرحلات المختلفة التي تنظمها الكليات. الأمر وصل إلى وجود تعليمات من وزير التعليم العالي، بأنه لن يُتاح أي دعم أو تسهيلات مالية أو إدارية، سوى لطلاب من أجل مصر، في مقابل تعرّض باقي الحركات الطلابية المُسيسة داخل الجامعات للتهميش، حتى وصل الأمر إلى عدم وجود حركة طلابية سياسية واحدة داخل الجامعة الآن لعدم الترخيص باستمرارها وتضييق الخناق عليها، حسبما أخبرنا أعضاء سابقون بتلك الحركات.
انتهاكات وتضييقات
مع انطلاق عملية سحب استمارات الترشح لانتخابات الاتحادات الطلابية في الجامعات المصرية الخميس الماضي، أعرب عدد كبير من الطلاب عن استيائهم مما وصفوه بـ”التعنت الرسمي” الذي يهدف إلى عرقلة ترشحهم لصالح قائمة “طلاب من أجل مصر”، المدعومة رسميًا.
واشتكى الطلاب من سلسلة من التجاوزات التي بدأت منذ الإعلان عن الجدول الزمني للانتخابات، تجلت في أن إدارات رعاية الشباب بجامعتي القاهرة وعين شمس سلمت الجدول الزمني لأسرة “طلاب من أجل مصر” قبل الإعلان الرسمي، ما أعطى لهذه القائمة ميزة تنافسية مبكرة، وقد تفاجأ الطلاب يوم تقديم الأوراق بفتح باب الترشح لفترة قصيرة، لم تتجاوز خمس ساعات، تزامنت مع مواعيد امتحانات منتصف الفصل الدراسي، مما حال دون تمكن العديد منهم من تقديم أوراقهم.
في جامعة عين شمس امتنعت مكاتب رعاية الشباب عن تزويد الطلاب المستقلين أو غير المنتمين إلى “طلاب من أجل مصر” بقائمة متطلبات الترشح، مما أدى إلى رفض أوراقهم بحجة “عدم استكمال المستندات”، دون أن تكون هذه المتطلبات مُعلنة بشكل رسمي.
أما في جامعة القاهرة، فقد واجه الطلاب مشكلة توقف نظام الدفع الإلكتروني يوم تقديم الأوراق، ما منعهم من إتمام الإجراءات اللازمة. ورغم ذلك، أُتيح لمقرر قائمة “طلاب من أجل مصر” الدخول إلى النظام وسداد الرسوم نيابة عن كافة أعضاء قائمته، في مخالفة واضحة للإجراءات المتبعة. وفي جامعات أخرى مثل الزقازيق، المنصورة، والإسكندرية، امتنع موظفو رعاية الشباب عن تسليم استمارات الترشح للطلاب المستقلين أو المنتمين إلى قوائم غير قائمة “طلاب من أجل مصر”، مما أثار المزيد من التساؤلات حول نزاهة الانتخابات.
وفي الآخير اتضح للطلاب في الجامعات أن العملية الانتخابية في الجامعات تُدار لصالح “طلاب من أجل مصر”، مما يقوض مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب ويعزز الهيمنة الرسمية على العمل الطلابي، وقد لجأ الطلاب إلى الطعون التي سيتم فحصها يوم 19 نوفمبر، على أن يتم إعلان الكشوف النهائية يوم 20 نوفمبر.
وتبدأ الدعاية الانتخابية يوم 21 نوفمبر، وتقام انتخابات الجولة الأولى بالكليات والفرز وإعلان النتائج يوم 24 نوفمبر، وتقام جولة الإعادة يوم 25 نوفمبر، ثم تقام انتخابات أمناء اللجان ومساعديهم على مستوى الكليات يوم 26 نوفمبر، وتقام انتخابات رئيس الاتحاد ونائبه على مستوى الكليات يوم 27 نوفمبر، على أن تنتهي الانتخابات الطلابية بانتخاب أمناء اللجان ومساعديهم ورئيس ونائب رئيس اتحاد الجامعة يوم 28 نوفمبر 2024.