تقاريرمحافظات

مياه ملوثة وصرف صحي فاسد: الحكومة المصرية تدفع الفيوم نحو الكارثة

في ظل تجاهل حكومي واضح واستمرار الفساد المستشري في أجهزة الدولة، شهدت محافظة الفيوم كارثة جديدة تهدد حياة ملايين المواطنين،

حيث كشفت التقارير الأخيرة عن جمع وتحليل 38525 عينة من مياه الشرب والصرف الصحي خلال شهر أكتوبر 2024، ولكن النتائج الحقيقية وراء تلك الأرقام تبدو أكثر خطورة وكارثية مما يظهر على السطح.

ورغم الأرقام المعلنة، والتي تتحدث عن 37647 عينة مأخوذة من المحطات الرئيسية والوحدات المرشحة وشبكات مياه الشرب في المحافظة، إلا أن المشكلة الأكبر تكمن في غياب الشفافية المطلقة حول جودة هذه المياه ومدى مطابقتها للمواصفات القياسية.

حيث تُظهر النتائج أن أغلب المحطات ما زالت تعاني من مشاكل جوهرية في معالجة المياه، وتقديمها في صورة سليمة للمواطنين، مما يعني أن آلاف الأسر تعتمد يوميًا على مياه ملوثة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي، وهو ما يعرضهم لأمراض قاتلة.

كما تم تحليل 817 عينة من محطات الصرف الصحي لمعرفة مدى كفاءة المعالجة، إلا أن الوضع أكثر تعقيدًا مما يروج له. فإجراءات معالجة مياه الصرف الصحي لا تزال متأخرة بشكل كبير ولا تتطابق مع المعايير الصحية المتعارف عليها،

ما يزيد من خطر التلوث البيئي وانتشار الأمراض الوبائية بين المواطنين، خاصة أن المصارف الرئيسية للمياه المعالجة تؤدي في النهاية إلى المسطحات المائية التي يعتمد عليها سكان المحافظة في الشرب والري.

وفي ضوء هذه النتائج المثيرة للقلق، يبدو أن الحكومة تقف مكتوفة الأيدي، مكتفية بإصدار تقارير زائفة حول “تحسين الخدمات” و”مراقبة الجودة”، في حين أن الواقع يكشف عن تدهور حاد في البنية التحتية لمرافق مياه الشرب والصرف الصحي.

رغم جمع 61 عينة من مياه الصرف الصناعي وتحليلها، إلا أن الوضع الصناعي في المحافظة يعاني من فوضى واضحة، حيث تستمر المصانع في تصريف نفاياتها في المجاري المائية دون أي رقابة فعلية أو إجراءات عقابية من قبل الحكومة.

وعلى الرغم من التصريحات الرنانة حول “تطوير الكوادر البشرية” و”توفير أجهزة تحليل متطورة”، إلا أن الفساد الحكومي المنتشر في جميع القطاعات يمنع أي تقدم حقيقي في تحسين خدمات المياه.

فقد أكدت العديد من المصادر أن أغلب الأجهزة المستخدمة في معامل التحليل قديمة ولا تفي بالغرض المطلوب، بل وتفتقر إلى التحديثات اللازمة لضمان نتائج دقيقة وموثوقة.

والأكثر من ذلك، أن التدريبات التي يتم الإعلان عنها لا تتجاوز كونها واجهة إعلامية لتجميل الصورة العامة للمسؤولين دون أن يكون لها أي تأثير فعلي على أرض الواقع.

أما عن مراقبة ومتابعة “سلامة ومأمونية” المياه، فهي مجرد مصطلحات خاوية تستخدمها الحكومة لتغطية إخفاقاتها المستمرة. فمنذ سنوات، تشهد محطات مياه الشرب وشبكاتها تدهورًا مستمرًا، دون وجود أي خطط واقعية للإصلاح.

بل إن المشكلة تتفاقم يومًا بعد يوم، حيث يتم تجاهل الشكاوى المستمرة من المواطنين حول جودة المياه، وتجاهل الإصلاحات الضرورية لمرافق الصرف الصحي التي تزداد سوءًا مع مرور الوقت.

إن الحكومة المصرية، وعلى الرغم من كل هذه المؤشرات الكارثية، تستمر في تجاهل الحلول الجذرية المطلوبة لتحسين الوضع. فبدلاً من تخصيص ميزانيات إضافية لتطوير البنية التحتية وتحسين نظم معالجة المياه، يتم إهدار الأموال العامة على مشروعات وهمية وإعلانات ترويجية لا تساهم في حل الأزمة.

وفي الوقت الذي تعاني فيه الفيوم من أزمة مياه شرب وصرف صحي حقيقية، تستمر الحكومة في التباهي بإنجازات غير موجودة على أرض الواقع.

تجاهل الحكومة لهذا الوضع المتردي يفتح الباب على مصراعيه للفساد والرشاوى، حيث أكدت بعض المصادر المطلعة أن عقود الصيانة وتوريد الأجهزة لمعامل المياه والصرف الصحي تُمنح لجهات معينة بناءً على مصالح شخصية، وليس بناءً على الكفاءة أو القدرة على تحقيق التحسينات المطلوبة.

هذا بالإضافة إلى أن الموظفين العاملين في هذه الجهات يعانون من نقص التدريب الحقيقي والافتقار إلى الإمكانيات التي تمكنهم من القيام بمهامهم بالشكل المطلوب.

وفي حين تستمر الحكومة في التشدق بالشعارات الجوفاء حول “مراقبة جودة المياه”، تتزايد المخاوف من أن يتفاقم الوضع في الأشهر المقبلة، خاصة مع استمرار تجاهل الحكومة للنداءات المتكررة من قبل المواطنين والمجتمع المدني.

فالحكومة تكتفي بإصدار بيانات زائفة دون أن تتخذ أي خطوات ملموسة لتحسين الوضع، مما يهدد بانفجار أزمة صحية وبيئية كارثية في أي لحظة.

إن الأزمة التي تواجه الفيوم اليوم ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة سنوات من التقاعس الحكومي والإهمال المتعمد. وبينما تستمر الحكومة في نشر تقارير مشوهة تهدف إلى تهدئة الرأي العام، يبقى الواقع مختلفًا تمامًا.

فالمياه التي يشربها المواطنون ملوثة، ومرافق الصرف الصحي عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من المعايير الصحية. والأكثر من ذلك أن مصانع المحافظة تستمر في تلويث البيئة دون أي رادع حقيقي.

يبدو أن الحكومة المصرية، برغم كل هذه المؤشرات الخطيرة، اختارت الصمت واللامبالاة، مما يضع ملايين المواطنين في خطر حقيقي.

فما يحدث في الفيوم اليوم هو كارثة بيئية وصحية بامتياز، تهدد بانتشار الأوبئة والأمراض، وتدمر البيئة المحلية بشكل لا يمكن إصلاحه، كل ذلك وسط فساد مستشرٍ وإهمال حكومي غير مسبوق

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى