في مشهد يظهر بوضوح التراخي الحكومي والإهمال المتعمد، خرج رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بتصريحات غير مسؤولة أثناء افتتاحه لمشروع إعادة تشغيل شركة النصر للسيارات.
مدبولي، الذي بدا وكأنه يحتفل بإنجاز عظيم، وصف اليوم بأنه “يوم عيد”، قائلًا “النهارده يوم عيد والله”، فيما الحقيقة المرة تشير إلى غير ذلك تمامًا.
فبدلاً من أن نشهد عودة حقيقية لهذه القلعة الصناعية العريقة، نجد أن الفساد الحكومي المستشري يُلقي بظلاله الكارثية على كل خطوة تتخذها الحكومة المصرية، مما يهدد هذا المشروع بالفشل من جديد.
تجاهل متعمد لحقيقة الواقع
أصر مدبولي في تصريحاته على أن الدولة لا تفرط في “قلاعها الصناعية”، وكأن هذه الكلمات تكفي لطمأنة الشعب المصري. ولكن ما يغفله رئيس الوزراء، أو يتجاهله عن عمد، هو الفشل الذريع الذي يحيط بهذه المشاريع الاستراتيجية.
الحديث عن “عدم التفريط” ليس إلا ستارًا يخفي وراءه فسادًا إداريًا وتخطيطًا غير مدروس أدى إلى انهيار هذه القلعة الصناعية العريقة من الأساس.
الحكومة، بدلاً من تطوير البنية التحتية للشركة والاستفادة الحقيقية من أصولها، اختارت الاعتماد على شراكات وهمية وتحالفات لا تستند إلى أي أساس اقتصادي متين.
أين الملايين التي أنفقتها الدولة؟
السؤال الذي يطرحه الشارع المصري هو: أين تذهب الأموال التي تُنفق تحت مسمى “إعادة إحياء” قلاعنا الصناعية؟ الحكومة تتحدث عن شراكات ومقومات، ولكن لا يوضح لنا رئيس الوزراء، ولا أي من المسؤولين المعنيين، كيف وأين تم استثمار ملايين الجنيهات التي تم ضخها في شركة النصر للسيارات.
إذا كان الأمر حقًا كما يصوره مدبولي بأنه “صناعة كاملة” قد عادت إلى الحياة، فلماذا لا نرى أي نتائج ملموسة؟ لماذا لا تزال الشركة تعاني من مشاكل إدارية ضخمة وأزمات تمويلية متفاقمة؟.
فساد يهدد مستقبل الصناعة
لا يمكن إنكار أن شركة النصر للسيارات واحدة من أهم قلاع مصر الصناعية، ولكن هذا لا يعني أن الفساد والإهمال المستشري داخل أروقة الحكومة يمكن أن يُغفر أو يُتجاهل.
الإدارة الحكومية الحالية، التي تزعم أنها تعمل على استدامة هذه الشركة، تفتقر إلى الكفاءة والرؤية الاستراتيجية، مما يهدد مستقبل الشركة بالكامل.
الشراكات التي يتحدث عنها مدبولي ليست سوى اتفاقيات سطحية تخدم مصالح ضيقة، بينما تُهمل الأسس الحقيقية التي تحتاجها الصناعة لتعود إلى سابق مجدها.
غياب الشفافية والمساءلة
يبدو أن الحكومة المصرية لا تزال تمارس سياسات التعتيم، فلا يوجد أي تقرير واضح وشفاف حول كيفية إدارة الأموال أو استخدام الموارد.
لا أحد يعرف إلى أين ذهبت تلك المليارات التي تم ضخها في مشروع إعادة تشغيل شركة النصر للسيارات، ولا توجد أي رقابة فعلية على سير العمليات.
كما أن الحكومة فشلت في تقديم أي خطة واضحة أو جداول زمنية للإنجازات المتوقعة. هذه الحالة من الغموض تعزز الشكوك حول وجود مصالح شخصية وفساد يعيق التقدم.
شراكات غامضة ونتائج معدومة
رغم ما قاله رئيس الوزراء عن وجود “شراكات ومقومات” لدعم شركة النصر، إلا أن كل ما نراه حتى الآن هو استمرار الفشل. هذه الشراكات، التي تم الترويج لها بشكل مبالغ فيه، لم تسفر عن أي تقدم حقيقي على أرض الواقع.
فما يحدث في الكواليس هو صفقات مشبوهة تخدم مصالح المستثمرين الفاسدين وتغض الطرف عن احتياجات الاقتصاد المصري. وبدلاً من الاستثمار في تطوير البنية التحتية والمعدات، تتجه الأموال نحو جيوب الفاسدين تحت غطاء الشراكات غير المجدية.
تقاعس متعمد وإهدار للفرص
لا يمكن إنكار أن مصر تمتلك العديد من الإمكانيات الصناعية والموارد التي تؤهلها لأن تكون رائدة في مجال الصناعات الثقيلة، لكن الفساد المستشري والتقاعس المتعمد من جانب الحكومة يقف عائقًا أمام أي فرصة لتحقيق هذا الحلم.
لقد تم إهدار فرص ذهبية لإحياء شركة النصر للسيارات، وذلك بسبب غياب الرؤية الحقيقية والإدارة الفعالة. كل ما نشهده هو تضخيم للإنجازات الوهمية في الإعلام، بينما الحقيقة على الأرض تختلف تمامًا.
مستقبل الصناعة المصرية في خطر
إذا استمر هذا الفساد والإهمال، فإن مستقبل الصناعة المصرية بالكامل سيكون في خطر. شركة النصر للسيارات ليست مجرد مصنع آخر، إنها رمز للصناعة المصرية، وأي فشل في إعادة تشغيلها بشكل صحيح سيكون له تأثير كارثي على بقية الصناعات.
ولكن يبدو أن الحكومة غير مستعدة لمواجهة هذه الحقيقة المرة. بدلاً من اتخاذ خطوات جادة نحو الإصلاح، تكتفي بالإعلان عن “احتفالات” و”أعياد” وهمية، متجاهلة الأزمات التي تعاني منها الشركة.
خاتمة: إلى متى يستمر هذا الفساد؟
السؤال الأهم الآن هو: إلى متى ستستمر الحكومة المصرية في تجاهل الحقيقة؟ إلى متى سيظل الفساد ينهش في جسد الاقتصاد المصري دون أي محاسبة أو مساءلة؟ إذا كانت الحكومة جادة حقًا في إعادة إحياء الصناعات الثقيلة في مصر، فعليها أن تبدأ بإصلاح نفسها أولاً.
التصريحات الرنانة والاحتفالات الزائفة لن تنقذ شركة النصر للسيارات من الانهيار، ولن تحقق أي تقدم حقيقي طالما استمرت الإدارة الحالية في سياساتها الفاشلة.