ضياء مكاوي يحميه الفساد: المخطوطات المختفية وثمن بقاء الفاسدين بالثقافة
منذ فترة طويلة، يتساقط غبار الفساد عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويكشف عن شبكة معقدة من المحسوبيات والمحاولات المستميتة للتمسك بالمناصب بغض النظر عن القوانين واللوائح.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل طمس الحقيقة حول المخطوطات التراثية الخاصة بالشيخ رفاعة الطهطاوي هو الطوق الذي يتشبث به أولئك الذين يسرقون التراث الثقافي؟ وهل تتورط وزارة الثقافة في هذه المؤامرة الكبرى من أجل الحفاظ على مناصبهم؟
آخر فصول هذه المهزلة كان عندما حاول ضياء مكاوي، رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي، الالتفاف على القوانين والاستمرار في منصبه رغم أن هناك مخالفات قانونية واضحة تتعلق بتجديد منصبه، بل وربما يكون ذلك هو الثمن الذي يدفعه الجميع من أجل تسوية القضية على حساب القيم والأمانة.
المثير في الأمر أن الإجراءات التي اتخذتها الهيئة العامة لقصور الثقافة لم تكن إلا مجرد مسرحية هزلية هدفها الوحيد هو ضمان بقاء ضياء مكاوي في منصبه، حتى لو كانت هذه الإجراءات تأتي على حساب الحقيقة وحقوق المواطنين.
وفي خطوة مثيرة للدهشة، قامت لجنة من الهيئة العامة لقصور الثقافة بالذهاب إلى فرع ثقافة سوهاج لإجراء تحقيقات حول اختفاء المخطوطات التاريخية، ولكن بدلاً من التوجه مباشرة إلى الفرع، قررت اللجنة أن “تركن” في أسيوط، في تصرف مشبوه يكشف عن نية واضحة في التغطية على الفساد المستشري.
الطامة الكبرى كانت في استدعاء أحمد صابر وموظف من طهطا، كما ورد في الإشارة التي حصل عليها موقع “أخبار الغد”، والتي كانت تهدف إلى طمس موضوع المخطوطات.
الإشارة التي أرسلت بتاريخ 4 نوفمبر 2024 من إقليم وسط الصعيد الثقافي إلى أحمد فتحي، الذي يدير الأعمال اليومية في فرع ثقافة سوهاج (وهو منصب غير قانوني)، كانت تحتوي على تعليمات غريبة في مضمونها، حيث تضمنت دعوة أحمد فتحي وأمين المخازن بالحضور إلى مقر إقليم وسط الصعيد الثقافي في أسيوط، رغم أن التحقيق كان يجب أن يتم في سوهاج حيث توجد المخطوطات المفقودة.
ولكن بدلاً من ذلك، تم ترتيب جلسة في أسيوط حيث لم يكن هناك أي تحقيق جاد، بل كان الهدف الأساسي هو تسوية الأمر بطريقة تضمن خروج جميع الأطراف بريئة وكأن شيئًا لم يحدث.
المخازن في فرع ثقافة سوهاج أصبحت تمثل محورًا أساسيًا في هذه المؤامرة، حيث تمت الاستعانة بأمين المخازن وأحمد فتحي لمراجعة مستندات خاصة تتعلق بالمخطوطات وأجهزة الإضاءة والإذاعة، ولكن السؤال الأهم: لماذا تم طمس كل هذه الحقائق؟ ولماذا يصر الجميع على إخفاء ما حدث للمخطوطات؟
المشكلة الحقيقية هنا ليست في مجرد سرقة المخطوطات أو محاولة إخفائها، بل في المساعي المستميتة من أجل حماية الفاسدين في المناصب العليا داخل الهيئة.
إن ضياء مكاوي ليس إلا أحد الوجوه الفاسدة في هذا السيناريو المظلم، ولكنه محمي من قبل مسؤولين آخرين كبار في الوزارة الذين يتبادلون الحماية والامتيازات بطريقة تؤدي إلى تقاعس تام في مواجهة الفساد.
ورغم أن هناك موظفين لا حول لهم ولا قوة مثل موظفة المكتبة التي تم الزج بها في القضية، إلا أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق عبد الحافظ بخيت الذي لم يوجه أي أسئلة حقيقية حول مصير المخطوطات المفقودة.
بدلاً من ذلك، تم تصوير الموظفة على أنها كبش فداء لهذه الجريمة الكبرى، بينما لا تزال المخطوطات مختفية، ويتم تبرير غيابها بطريقة غير مقنعة تمامًا.
ويستمر السؤال الملح: إلى متى سيظل الفساد مستشريًا في الهيئة العامة لقصور الثقافة؟ وإلى متى سيظل المفسدون في مناصبهم محميين من قبل فاسدين أكبر منهم؟
هل سنظل نشهد المزيد من التحايل على القوانين والممارسات التي تهدف إلى طمس الحقائق؟ يجب على الجميع أن يتساءل ما إذا كانت هذه هي نهاية المسار، أم أنها بداية لمزيد من القضايا الكبرى التي ستكشف عن تفاصيل لم تكن في الحسبان.
إن الكارثة الأكبر هنا هي أن هذه القضية لا تمثل مجرد سرقة لمخطوطات تاريخية، بل هي جريمة شاملة تهدد التراث الثقافي لأمة بأكملها. وبدلاً من التحقيق الجاد والمحاسبة، يتم اللجوء إلى تسويات وقوانين موازية لضمان استمرار الفاسدين في مناصبهم.
هل هذا هو النموذج الذي تريده وزارة الثقافة؟ هل تقبل الوزارة أن يتحول تاريخنا وثقافتنا إلى مجرد أوراق مخبأة في أدراج الفاسدين؟ هذه هي الأسئلة التي يجب أن نواجه بها الحقيقة، والوقت قد حان لكي يتحمل كل شخص مسؤولياته أمام الشعب.