تقارير

المدارس تتحول لساحات قتل وعنف والحكومة تتفرج على الكارثة

ما كان من المفترض أن يكون أماكن للعلم وبناء الشخصية، تحولت المدارس المصرية إلى ساحات للعنف، حيث فقدت المؤسسات التعليمية هيبتها وأصبحت مرتعًا للبلطجة والمشاكل.

فقد شهدت الأيام القليلة الماضية سلسلة من الجرائم البشعة داخل أسوار المدارس، أبرزها مقتل مدرس على يد ولي أمر، بالإضافة إلى جريمة قتل طالب لزميله في إحدى مدارس بورسعيد، وأعمال عنف مشابهة في مختلف المحافظات.

ما كان يبدو في الماضي مجرد حوادث فردية، أصبح الآن ظاهرة تدمّر العملية التعليمية وتؤثر بشكل كارثي على الأمن والسلامة في المدارس.

قبل أيام، شهدت محافظة بورسعيد حادثة مأساوية حيث أقدم طالب على قتل زميله باستخدام سكين في دورة مياه مدرسته، ما أسفر عن وفاة الطالب محمد عمر مهران.

الحادث لم يكن الأول من نوعه، بل جاء بعد سلسلة من جرائم مشابهة في محافظات أخرى، حيث تعرض طالب في سوهاج لإصابة بالغة في رقبته بسبب مشادة مع زميله، وآخر في القليوبية قُتل بسكين على يد زميل له نتيجة لخلاف حول معاكسة فتاة. وعادت هذه الحوادث لتثير التساؤلات حول السبب وراء تزايد العنف داخل المدارس.

التقاعس الحكومي يشجع على العنف

بينما تتوالى الجرائم داخل المدارس، لا تجد الحكومة المصرية ما يعالج هذه المشكلة بشكل جذري. التصريحات الحكومية تقتصر على وعود ضعيفة بالتكفل بمشاكل الأمن المدرسي، ولكن دون أي خطوات ملموسة على الأرض.

هذا التقاعس من قبل وزارة التربية والتعليم والحكومة بشكل عام، ساعد في تدهور الحالة الأمنية داخل المدارس، حيث فقدت غالبية المؤسسات التعليمية قدرتها على ضبط سلوكيات الطلاب ومنع الأعمال العدوانية.

النتيجة، أننا نعيش في دولة يسمح فيها لمراهقين بقتل بعضهم البعض في فصول دراسية وأروقة مدرسية بدون أدنى رادع.

البحث عن حلول وهمية

الحلول التي يتم طرحها بشكل دوري لم تعالج جذور المشكلة، بل تقتصر على حلول مؤقتة وغير فعّالة. على سبيل المثال، يتم اقتراح وجود نقاط شرطة أو زيادة الرقابة الأمنية حول المدارس، ولكن هذه الحلول لا تمس جوهر الأزمة.

العنف داخل المدارس ليس فقط بسبب قلة الأمن، بل نتيجة لغياب التربية الصحيحة في المنزل وفي المدرسة، وغياب القدوة التي تعيد صياغة سلوك الطلاب.

وأولياء الأمور أنفسهم لا يعرفون أين يذهبون لتقديم شكوى، إذ أن غياب التأثير الحقيقي من قبل إدارة المدارس يجعلهم يشعرون بالعجز.

أحد أولياء الأمور قال: “في المدرسة، لا يوجد أي نوع من الرقابة على السلوك، وعندما أسأل الإدارة عن أسباب العنف، يجيبون بأنهم لا يعرفون، وكأنهم لا مسؤولون عن شيء”. هذا التقاعس هو نتاج واضح لضعف النظام التربوي في البلاد، الذي يضع مصلحة الطلاب في آخر أولوياته.

تحلل القيم الاجتماعية

عوامل عدة ساهمت في تدهور الأوضاع داخل المدارس. من أبرز هذه العوامل هو التفكك الأسري، حيث يعيش العديد من الأطفال في بيئات لا توفر الدعم النفسي والعاطفي، مما يجعلهم أكثر عرضة للانجراف نحو العنف.

كما أن المحتوى العنيف في الألعاب الإلكترونية ووسائل الإعلام ساعد في ترسيخ ثقافة العنف لدى العديد من الشباب. هذا، بالإضافة إلى غياب أي اهتمام حقيقي من قبل وزارة التربية والتعليم بتقديم حلول تربوية لمعالجة هذه الظواهر، جعل المدارس تتحول إلى ساحة خصبة للجريمة والبلطجة.

خبراء يصرخون: الحلول ليست أمنية فقط

من جهته، يرى الخبراء الاجتماعيون أن الحلول الأمنية ليست كافية لمعالجة هذه المعضلة. يشير الباحثون إلى أن التعليم وحده لا يكفي لبناء جيل سليم نفسيا وأخلاقيا. لابد من تقديم التربية السليمة التي تنمي قيم التسامح والعفو في نفوس الطلاب.

ويتفق الجميع على أن غياب القدوة في المجتمع هو أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تدهور الأخلاق بين الطلاب. ففي الوقت الذي كان فيه المعلم يُعتبر مرجعية تربوية تحترم في المجتمع، أصبح اليوم محل احتقار وإهانة من قبل الطلاب وأسرهم، وذلك نتيجة لغياب النماذج المضيئة.

عودة الهيبة وتحمل المسؤولية

من المتعارف عليه أن المربي الفاضل، الذي يقف أمام طلابه، يجب أن يكون قدوة حية لهم في السلوك والعلم. ولكن للأسف، فقدت المدارس ذلك القدوة المفقودة، مما فتح الباب أمام التدهور.

يرى الخبراء أن الحل يكمن في عودة القدوة إلى المدارس، مع ضرورة منح المعلمين الدعم الكامل للقيام بدورهم في تعليم وتربية الطلاب. لا بد من إعادة هيبة المعلم في أذهان الطلاب وأولياء الأمور على حد سواء، لكي يعود للمدرسة دورها الحقيقي في تشكيل شخصية الأبناء بعيدًا عن العنف.

وفي سياق متصل، لا يمكن إغفال دور الأسرة في محاربة هذه الظاهرة. إذ أن العديد من الأسر التي تعيش في ظروف اقتصادية صعبة، لا تقدم الدعم الكافي لأبنائها، مما يجعلهم عرضة للانحراف والسلوك العدواني.

وعلى الرغم من ذلك، يجب أن تتحمل وزارة التربية والتعليم مسؤوليتها في توفير بيئة تعليمية آمنة وداعمة، من خلال توفير الأمن داخل المدارس، وتفعيل دور الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين.

الأخطاء تتراكم والشباب يدفعون الثمن

الأزمة التي نعيشها ليست مجرد أزمة تربوية، بل هي أزمة اجتماعية تتغلغل في جميع جوانب الحياة. إن كل يوم يمر دون إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة، يعني المزيد من الدماء التي تراق داخل المدارس.

ورغم أن العديد من الخبراء يدعون إلى ضرورة وجود نقاط شرطة داخل المدارس أو بالقرب منها، إلا أن الحل الحقيقي يكمن في إصلاح جذري في المنظومة التعليمية والتربوية. لن تنجح النقاط الأمنية في إيقاف نزيف العنف إذا لم تُعالَج الأسباب النفسية والاجتماعية التي تقف وراءه.

فإن كارثة العنف المدرسي لن تنتهي بتغييرات سطحية، بل تتطلب إرادة حقيقية من الحكومة لإصلاح المنظومة التعليمية والتربوية بشكل جذري، وتفعيل دور الأسرة في تكوين الوعي الثقافي والأخلاقي لدى الأبناء، وإعادة بناء المجتمع على أسس من الاحترام المتبادل والعمل المشترك.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى