في ظل أزمة اقتصادية خانقة تتفاقم يومًا بعد يوم في مصر، تأتي تصريحات الحكومة المصرية حول إعادة تشغيل مصنع النصر للسيارات كحلقة جديدة في سلسلة من الوعود المفرغة التي تضاف إلى تاريخ طويل من الفشل والتقصير.
الحكومة التي طالما أشادت بحلول غير فعالة وأثنت على مشاريع شراكة مع القطاع الخاص، تبدو اليوم وكأنها في سباق مع الزمن لتحسين صورتها أمام الشعب، لكن الواقع يقول عكس ذلك تمامًا.
من الواضح أن الحكومة المصرية لا تمتلك رؤية استراتيجية حقيقية لقطاع السيارات الذي يعاني من عجز شديد في الإنتاج المحلي، حيث تُؤكد التقارير أن إعادة تشغيل مصنع النصر للسيارات كان من المفترض أن يكون خطوة استراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتحفيز الاقتصاد.
ومع ذلك، يظل المشروع مجرد فقاعة إعلامية وأداة للتغطية على الفشل الذريع في ملفات أخرى لا تقل أهمية، مثل معالجة معدلات التضخم غير المسبوقة وارتفاع الأسعار التي طالت جميع فئات المجتمع.
رجب هلال حميدة، نائب رئيس حزب إرادة جيل، في حديثه عن إعادة فتح مصنع النصر، وصف هذه الخطوة بأنها “تطور نوعي جيد” من شأنه أن يسهم في تلبية جزء كبير من الطلب المحلي على السيارات.
وتوقع حميدة أن تكون لهذه الخطوة آثار إيجابية على زيادة التصدير، ورفع قيمة المكون الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي. لكن هذه التصريحات تبقى في إطار الأماني بعيدة المنال في ظل غياب أي إجراءات حقيقية تؤكد القدرة على تلبية تلك التوقعات.
فالواقع يقول إن الحكومة المصرية لم تكتفِ بتجاهل الظروف الاقتصادية المعقدة، بل تسعى لتكرار نفس الأخطاء التي قادتها إلى هذا المأزق، بدلاً من أن تتخذ خطوات جادة لتطوير الصناعة المصرية.
فعلى مدار السنوات الماضية، ظل مصنع النصر للسيارات مغلقًا أو يعمل بأقل من طاقته، ولم تُسجل أي خطط فعلية لتحسين البنية التحتية للمصنع أو تطوير التقنيات الحديثة التي يمكن أن تواكب المنافسة العالمية.
إعادة تشغيل المصنع لا تعدو كونها محاولة فاشلة لجذب الاستثمارات والتغطية على الفشل المتراكم في قطاعات أخرى. هل يُعقل أن الحكومة المصرية تأمل في أن تساهم هذه الخطوة في زيادة الطاقة التصديرية؟
في وقتٍ تعاني فيه البلاد من أزمات عميقة في القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، ومن ركود غير مسبوق في السوق المحلية؟ ما الذي يجعلنا نعتقد أن هذا المصنع سيحقق الأهداف الطموحة التي يروج لها حميدة وغيره من المسؤولين؟
تطرح تلك الأسئلة مشهدًا متشائمًا من أجل مستقبل هذا المشروع. فحتى مع الافتراض بوجود شراكة مع القطاع الخاص، وهو ما أشار إليه حميدة، فإن التجارب السابقة في هذا الإطار لم تكن مشجعة.
القطاع الخاص في مصر يعاني من تهديدات مستمرة من السياسات الحكومية التي تفتقر إلى الاستقرار والشفافية، ما يعيق أي استثمار حقيقي ويحول دون تحقيق الأهداف المعلنة.
ومن الجدير بالذكر أن الحكومة المصرية، والتي تسعى دائمًا للحديث عن تصدير السلع الصناعية لزيادة حجم الصادرات وتقليل الاعتماد على واردات النقد الأجنبي، تظل غافلة عن حقيقة أن الأزمة الحقيقية تكمن في أن مصر لم تعد قادرة على تأمين حتى أبسط الاحتياجات المحلية.
بل إن المكون المحلي في أي منتج صناعي لا يتجاوز في كثير من الأحيان أرقامًا هزيلة، مما يضعف القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق العالمية.
الأرقام التي تتداولها الحكومة بشأن “زيادة القدرة التصديرية” و”تعزيز المكون المحلي” هي أرقام خادعة لا تعكس الواقع الفعلي. فعلى الرغم من الوعود الكبيرة، لا تزال الصناعة المصرية في مهب الريح، والنظام الاقتصادي لا يزال يعتمد على حلول قصيرة الأجل لا تؤدي إلى نتائج ملموسة.
وفي المقابل، لا يبدو أن الحكومة تولي اهتمامًا حقيقيًا بتحفيز القطاع الخاص على المشاركة الفعالة في صناعة السيارات أو أي صناعة أخرى، بل هي تكتفي بالتصريحات التجميلية.
المؤسف أن جميع هذه الخطوات تأتي في وقتٍ يعاني فيه الشعب المصري من أزمات اجتماعية واقتصادية خانقة. الأسعار في ارتفاع مستمر، والعديد من القطاعات الصناعية تسير في طريق الانهيار، بينما تبقى الحكومة في حالة من الإنكار التام. تسعى الحكومة جاهدة لخلق صورة وهمية عن “الإنجازات” بينما يغرق الشعب في وحل الأزمات المتتالية.
إن القضايا الحقيقية التي يعاني منها الشعب المصري لا يمكن حلها بإعادة تشغيل مصنع قديم لم يعد له مكان في عصر السيارات الذكية والمتطورة. الحلول التي يجب أن تتخذها الحكومة يجب أن تكون أكثر عمقًا وشمولًا، وأن تشمل إصلاحات جذرية في السياسات الاقتصادية والصناعية بشكل عام.
إعادة فتح مصنع النصر للسيارات قد لا تكون سوى مناورة إعلامية للتهرب من المساءلة، بينما الشعب المصري يدفع الثمن يومًا بعد يوم من جراء هذه السياسات الفاشلة.
وبينما تشيد الحكومة بما تسميه “إنجازات” في قطاع الصناعات الثقيلة، يظل السؤال الكبير قائمًا: هل ستكون هذه الخطوة خطوة حقيقية نحو التقدم أم مجرد ضجيج إعلامي آخر؟