في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تعصف بمصر، استمر مسلسل التضليل الحكومي في الاجتماع الأخير للجنة الدين الخارجي، الذي تراسه مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، حيث سعى للتأكيد على ما وصفه بـ “الإنجازات” في خفض الدين العام من الناتج المحلي. مدبولي تحدث عن خفض الدين بنسب مئوية كانت أشبه بالمسكنات التي تحاول إخفاء جروح الاقتصاد المصري العميقة.
لكن، ماذا وراء هذا الحديث؟ هل يمكن أن يطلق عليه “نجاحًا” في وقت أن الدين العام الخارجي يواصل الارتفاع بشكل مرعب؟ التقرير الأخير لم يتحدث عن الأرقام الحقيقية، بل كان مجرد تلاعب بالبيانات والأرقام لإرضاء الرأي العام في الوقت الذي تعيش فيه البلاد في أزمة مالية خانقة. الدين العام في مصر ليس في تراجع، بل في صعود مستمر، وفي الوقت الذي تتدفق فيه القروض الأجنبية، تزداد معدلات البطالة والفقر بشكل كارثي.
توقيع الاتفاقيات: مَن يستفيد؟
وفي نفس الاجتماع، أعلنت وزيرة التخطيط، رانيا المشاط، عن توقيع اتفاقيات مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بقيمة 2.5 مليار دولار، تهدف إلى تطوير مشروعات الطاقة المتجددة في مصر. لكن هذا الاتفاق لم يكن أكثر من لعبة سياسية، إذ أن الأموال ستذهب إلى مشاريع سرية لا يعرف مصيرها، في وقت يعيش فيه الشعب المصري تحت وطأة قرارات اقتصادية لا تعرف الرحمة.
من يراقب عن كثب هذه الاتفاقيات لا يمكنه إلا أن يتساءل: هل هي فعلاً من أجل مصلحة الشعب المصري أم أن هناك أجندات خفية تتلاعب بمستقبل الأجيال القادمة؟ الاتفاقات ليست إلا أدوات جديدة لزيادة الارتباط بالديون الخارجية التي لن تفيد في تحسين حياة المواطنين المصريين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.
الديون الخارجية: في صعود مستمر
أرقام الدين العام المصري تتحدث عن نفسها، ولا يمكن للحكومة أن تخفي حجم الكارثة المالية التي تمر بها البلاد. في وقت يجتمع فيه المسؤولون الحكوميون ليتباهوا بتقليص الدين العام بشكل شكلي، يبقى الواقع أكثر مرارة. بيانات البنك المركزي المصري تشير إلى أن الدين الخارجي لمصر قد وصل إلى أرقام فلكية، حيث بلغ الدين الخارجي بنهاية يونيو 2023 أكثر من 160 مليار دولار، وهو رقم مرعب في ظل المعطيات الاقتصادية الحالية. هذا الرقم يتزايد بشكل مستمر، رغم كل محاولات التجميل التي تقوم بها الحكومة.
في المقابل، يعاني المواطن المصري من تدهور حاد في مستوى معيشته، في وقت تُرفع فيه الضرائب وتزيد الأسعار وتقل الأجور، بينما تهدر أموال الشعب في مشاريع غير مفيدة أو مشاريع ترفع من مديونية الدولة بدلاً من أن تساهم في تحسين الأوضاع.
الحكومة في دائرة الفساد
الحديث عن مشاريع كبيرة مثل الطاقة المتجددة لا يمكن أن يخفي حقيقة أن الحكومة المصرية أصبحت أكبر مستفيد من الديون الخارجية. ما لا يقال عن هذه الاتفاقات هو أن هناك علاقات مشبوهة ومصالح خفية تديرها مجموعة من الفاسدين الذين لا يتورعون عن الاستفادة من هذه القروض والأموال على حساب الشعب.
ما يراه البعض “تقدمًا” في ملف التنمية، هو في واقع الأمر عملية نهب ممنهج لأموال الشعب عبر قروض استهلكت منها الحكومة المصرية مليارات الدولارات دون أن تساهم بشكل حقيقي في تحسن الاقتصاد. بينما يمر الشعب بحالة من الارتباك الاقتصادي، تنشغل الحكومة بمفاوضات جديدة لاقتراض مزيد من الأموال.
الاستثمار الأجنبي أم الاستفادة الشخصية؟
من الغريب أن الحكومة، التي لا تستطيع تحسين البنية التحتية المحلية أو توفير خدمات أساسية للمواطنين، تسعى للاستثمار في مشاريع طاقة متجددة بمبالغ ضخمة. في وقت لا يتجاوز فيه الدعم المقدم للفقراء في مصر حدود الرفاهية، يبدو أن الحكومة تفضل إبرام صفقات كبيرة مع المؤسسات الأجنبية لتضخم الدين الخارجي، في الوقت الذي يتم إخفاء الكثير من التفاصيل عن كيفية صرف هذه الأموال.
الحديث عن “الاستثمار” في الطاقة المتجددة يبدو مغريًا، لكن من يعقل أن الحكومة تستطيع تحقيق نجاح حقيقي في هذا المجال وهي تعجز عن ضمان أمن المواطنين في أبسط حقوقهم؟ هل هذه القروض تذهب فقط لتنفيذ خطط غامضة، أم أنها في النهاية تشكل عبئًا إضافيًا على الأجيال القادمة التي ستجد نفسها في مواجهة ديون لن تنتهي أبدًا؟
ما هو مستقبل مصر؟
المستقبل المصري يبدو أكثر سوداوية مع مرور كل يوم. الحكومة المصرية، بقيادة مصطفى مدبولي ورانيا المشاط، تواصل اللعب على الحبال الاقتصادية، تحاول إقناع العالم بأن مصر تسير في الاتجاه الصحيح، بينما لا تكف عن تحميل المواطن البسيط عبء السياسات الفاشلة.
التقارير العالمية تؤكد أن الوضع الاقتصادي في مصر وصل إلى مرحلة متأخرة للغاية، في وقت تواصل فيه الحكومة اقتراض المزيد من الأموال تحت عنوان “التطوير والاستثمار”. لكن الحقيقة هي أن هذه الديون مجرد أداة جديدة للفساد والنهب، بينما الشعب المصري يدفع الثمن الأكبر.
ما تحتاجه مصر ليس تصريحات براقة أو اتفاقيات مالية أخرى، بل خطة حقيقية لإصلاح الاقتصاد، مع محاسبة صارمة للمسؤولين عن هذا الخراب. مصر تستحق أكثر من مجرد شعارات عن التنمية.