تقاريرثقافة وفنون

فضيحة فساد الهيئة العامة لقصور الثقافة: إلغاء التحقيقات وإهدار المال العام بتواطؤ حكومي

في خطوة غير مسبوقة تكشف عن حجم الفساد المستشري داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة وتواطؤ الحكومة المصرية مع هذه الممارسات، أصدرت الهيئة قراراً صادماً بإلغاء تشكيل لجنة فحص وقائع فساد مالي وإداري كان قد تم تشكيلها في وقت سابق.

هذا القرار الذي حمل الرقم 1370 لسنة 2024 لا يعتبر فقط تراجعاً عن محاسبة الفاسدين بل يعد إشارة واضحة على استمرار الإهمال والتقاعس من قبل الجهات المعنية. فما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار، وما الدور الذي لعبته الحكومة المصرية في تغطية هذه الفضيحة؟

قرار الإلغاء: تجاهل للمال العام وللمسؤولية

قبل نحو شهرين، تم نشر تقارير صحفية على موقع “أخبار الغد” ومواقع أخرى، تكشف عن ممارسات فساد مالي وإداري متفشية في العديد من مواقع وفروع الهيئة العامة لقصور الثقافة.

على إثر ذلك، تم إصدار القرار رقم 1236 لسنة 2024، الذي نص على تشكيل لجنة للتحقيق في هذه الوقائع ومحاسبة المسؤولين عنها. وكان الهدف من هذه اللجنة هو الوقوف على حقيقة هذه الاتهامات، والتحقق من الأدلة المتاحة، وتحديد المسؤولين عن هذه الممارسات غير القانونية.

ومع ذلك، بعد مرور أكثر من شهرين، وبموافقة من نائب رئيس الهيئة، تم إصدار القرار رقم 1370 لسنة 2024، الذي يلغى القرار السابق 1236 لسنة 2024، ويعتبره “كأن لم يكن”. هذا القرار كان بمثابة ضربة موجعة للجهود الرامية إلى محاربة الفساد في الهيئة، ليكشف عن إهدار صارخ للمال العام.

فساد مالي على مرأى من الجميع

حسب المعلومات الواردة من موظفي الهيئة، فقد باشرت اللجنة أعمالها في فروع مختلفة، من بينها قصر ثقافة الفيوم وقصر ثقافة سوهاج، وتم صرف مستحقات مالية ضخمة تشمل تكاليف الانتقالات، الإقامة في الفنادق، وأيضاً المكافآت لأعضاء اللجنة.

لكن بدلاً من الاستمرار في التحقيقات، جاء قرار إلغاء اللجنة ليضع حداً لكل تلك الجهود التي كانت تسعى للكشف عن المخالفات المالية والإدارية. السؤال الأهم هنا هو: من المسؤول عن إهدار تلك الأموال؟ وأين ذهبت هذه الأموال التي كانت مخصصة لتحقيق العدالة ومحاسبة الفاسدين؟

تساؤلات حول التفويض والسلطات

تثير حالة الارتباك داخل الهيئة تساؤلات حول مدى صحة الإجراءات المتخذة، خاصة فيما يتعلق بصلاحيات الأشخاص الذين كانوا وراء إلغاء القرار.

فمن المعروف أن القرار رقم 1370 لسنة 2024 لم يصدر عن شخص مختص، بل كان التوقيع عليه من قبل مدير عام الشئون المالية والإدارية الذي لا يملك صلاحية إلغاء قرارات نائب رئيس الهيئة. فكيف سمح نائب رئيس الهيئة لشخص أقل رتبة بتجاوز صلاحياته وإلغاء قرار أُصدر من أعلى المستويات؟

في نفس السياق، إذا كانت مدير عام الشئون المالية قد وقعت على هذا القرار بناءً على تفويض من نائب رئيس الهيئة، فذلك يعتبر مخالفاً للقانون.

فالتفويض الذي منحته الهيئة غير قانوني، حيث أن نائب رئيس الهيئة نفسه مُفوض من وزير الثقافة ولا يحق له منح هذا التفويض للآخرين. هذا التلاعب في السلطة يعكس بوضوح الفوضى التي تسود داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة.

فساد متأصل وتستر حكومي

من الواضح أن إلغاء القرار لا يهدف إلا إلى التستر على الفساد المستشري داخل الهيئة. وفقاً للمعطيات المتوفرة، فإن هناك ضغوطاً مورست على نائب رئيس الهيئة من قبل مدير عام التفتيش المالي والإداري لإلغاء القرار رقم 1236 لسنة 2024.

الهدف كان واضحاً: حماية المتورطين في عمليات الفساد وعدم السماح بكشف المخالفات المالية والإدارية التي قد تُفضح علناً. وإذا كان مدير عام التفتيش هو الذي يدير دفة الأمور في هذا الاتجاه، فكيف يُمكن له أن يكون جزءاً من الحل في معالجة هذه المخالفات؟

وزير الثقافة أمام مسؤولية تاريخية

نحن الآن أمام حالة من التراخي الحكومي والتواطؤ الواضح من قبل المسؤولين في الهيئة العامة لقصور الثقافة. الوزير الذي من المفترض أن يكون الحامي الأول للثقافة في مصر، يجب أن يتدخل سريعاً وبقوة في هذه القضية لفتح تحقيق شامل حول إهدار المال العام والتستر على الفساد.

لا يمكن أن يكون الحل في إحالة القضية إلى إدارة التفتيش المالي والإداري التي هي نفسها متورطة في هذه الفضيحة.

إن الفساد الذي يحيط بهذه الهيئة أصبح ظاهرة لا يمكن السكوت عنها. ومن الواضح أن هناك شبكة من الفاسدين تتعاون فيما بينها لحماية مصالحها على حساب المال العام.

لذا، فإن المحاسبة الحقيقية يجب أن تشمل الجميع دون استثناء، بدءاً من أعلى المستويات في الهيئة وصولاً إلى الموظفين الذين يشاركون في عمليات الفساد.

ختاماً، الأسئلة التي لا تزال معلقة

يبقى السؤال الأبرز: لماذا تمت هذه المحاولات المتكررة للتستر على الفساد؟ هل هناك مصالح خفية وراء هذه القرارات؟ ولماذا يسمح المسؤولون الحكوميون لهذا الوضع بالاستمرار؟ ما هو دور الحكومة المصرية في محاربة الفساد في المؤسسات الحكومية، وأين هي الآليات الفعالة لتحقيق الشفافية والمحاسبة؟

إن ما يحدث في الهيئة العامة لقصور الثقافة ليس مجرد مشكلة إدارية، بل هو قضية فساد مالي وإداري تحتاج إلى تدخل عاجل من أعلى المستويات.

آن الأوان للسلطات المعنية أن تأخذ زمام المبادرة وأن تضع حداً لهذا الانحدار في القيم الإدارية، وأن تكشف حقيقة هذا المستنقع من الفساد الذي يهدد الثقافة والمجتمع المصري بأسره.






أخبار


مواضيع ذات صلة


المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button